لطالما كانت هناك علاقة عكسية بين عالمَي الرياضة والسياسة. رئيس الولايات المتحدة السابق هاري ترومان، قال يوماً: «أن تصبح رئيساً للولايات المتحدة الأميركية أسهل من أن تكون مدرباً لكرة القدم». وكلام ترومان جاء للدلالة على سهولة البقاء في منصب الرئاسة، مقارنة بمنصب المدرب مثلاً حيث التحديات يومية وشبه دائمة.
والسياسيون أنفسهم يستغلون الرياضة من أجل تعزيز مكانتهم السياسية، إذ إن السيطرة على أندية كبرى تساعد كثيراً في هذه المهمة، ولعل أبرز مثال على ذلك هو رئيس وزراء إيطاليا السابق ورئيس نادي ميلان سيلفيو برلوسكوني. والأخير كانت الكرة هي المنبر الدعائي له، في بلادٍ كانت فيها المستديرة جزءاً من ثقافة عامة.
وبالعكس، ليس مفاجئاً غزو رياضيين للساحة السياسية، بعد تعليقهم لأحذيتهم، حيث كانت هناك رغبة جامحة عند بعضهم للوصول الى المناصب فقط، بينما كان لدى آخرين نيّة جدية في خدمة بلدهم، وخصوصاً لاعبي الكرة الذين ولدوا في أحياء فقيرة، ولمسوا البؤس بأيديهم وأعينهم.
ولا شك في أن من ساعد هؤلاء النجوم للوصول الى مناصبهم هو شعبيتهم التي اكتسبوها على الصعيدين الرسمي والشعبي من الرياضة التي أبدعوا فيها، وهم نقلوا إبداعاتهم من الملاعب إلى قاعات البرلمان والوزارات.
أبرز هؤلاء كان البرازيليان بيليه وروماريو. الأول، بعد اعتزاله كرة القدم عام 1977، تسلم منصب وزير الرياضة في بلاده من 1995 حتى 2002، وقبلها اضطلع بمنصب سفير البيئة عام 1992 من قبل الأمم المتحدة.
أما روماريو، فهو هدف منذ البداية الى مساعدة الأطفال والرياضة. وبعد اعتزاله، صار نائباً في البرلمان ممثلاًً للحزب الاشتراكي فى ريو دي جانيرو، ثم نجح فى حجز مقعده في مجلس الشيوخ سيناتوراً عن الحزب نفسه.
كذلك، كان مواطنهما سقراط ناشطاً سياسياً، وهو ثار ضد النظام العسكري في بلاده، وأسس حزباً اسمه كورينثيانس الديموقراطي، للمطالبة بحقوق المواطنين ولاعبي كرة القدم.
مدرب منتخب بلجيكا الحالي مارك فيلموتس صار عضواً في مجلس الشيوخ ممثلاً حركة الإصلاح بعد اعتزاله، لكن حقبته لم تكن ناجحة، وسرعان ما استقال من منصبه.
وفي الوقت الذي كانت فيه تجربة الليبيري جورج وياه الكروية فريدة من نوعها، فهو فشل سياسياً، إذ خاض انتخابات الرئاسة في بلاده عام 2005، معلناً نيته إنقاذ بلاده من حرب أهلية سبّبت الفقر والحرمان للشعب، لكنه خسر المعركة فى اللحظات الأخيرة أمام هيلين جونسون سيرليف، التي أصبحت أول امرأة فى تاريخ ليبيريا تتولى الرئاسة.
لم تقتصر التجربة السياسية على لاعبي الكرة فقط.
لاعب الشطرنج الأشهر الروسي غاري كاسباروف كان قريباً من السياسة قبل اعتزاله حتى، ففي شبابه انضم إلى الحزب الشيوعي السوفياتي، ثم شكّل حزب «خيار روسيا». وفي عام 2005 اعتزل كاسباروف اللعبة وأنشأ حركة سياسية أطلق عليها اسم «الجبهة المدنية المتحدة»، محدداً أهدافها في العمل من أجل انتخابات رئاسية أكثر ديموقراطية ونزاهة. وكاسباروف نفسه انتقد كثيراً الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين، ومَثَل أمام محاكم عدة وسُجن لفترات مختلفة، وبقي لفترات أخرى خارج البلاد أو احتجز فيها.
ولا يمكن ذكر لاعبي الكرة الساسة من دون المرور على «الأسطورة» الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا. هو موهوب في الكرة والسياسة، رغم عدم احتلاله منصباً رسمياً في الدولة، فقد اشتهر بإطلاقه التصاريح السياسية من دون مراعاة أحد، وقد مال بمواقفه الى صديقه الزعيم الكوبي فيديل كاسترو والثوري الشهير أرنستو تشي غيفارا. مارادونا ثائر ومحلل سياسي بامتياز، وهو لا يرى أنه يجب أن يكون دبلوماسياً مع خصومه، أبرزهم الأميركيون.
الشهرة التي حققها هؤلاء النجوم في عالم الرياضة عبَّدت لهم الطريق نحو عالم السياسة، لكن مشوارهم في السياسة سبَّب تناقضاً لدى الجماهير. ولعل الحادثة التي حصلت عام 2005 مع كاسباروف تختصر المشهد، فهو كان في إحدى جولاته الدعائية، وتعرض له أحد الحضور بضربة موجعة على رأسه، مستخدماً قطعة شطرنج كبيرة قائلاً له: «أحبك لاعباً موهوباً، أما سياسياً فأنا لي حساباتي الأخرى».