عندما فتح خمّارته الصغيرة في باب شرقي العتيقة، لم يتفنّن أبو جورج في تسميتها. كانت، كمعظم المحال الصغيرة، تحمل اسم صاحبها، كانت مورد رزقه البسيط الذي يعتاش منه. في بداياتها، كان صيت خمارة أبي جورج على «قدّ الحال»، يقصدها أبناء الحي والأحياء المجاورة «الشريبة»... كان ذلك، قبل أن تصير الخمارة الأشهر في دمشق القديمة. اليوم، وبعد سنوات طويلة، يستحيل على زوار الحي العتيق، المرور من أمام خمارة أبو جورج من دون التوقف، ولو لشرب كأس واحدة. فهنا، لم يعد المكان لـ»شرّيبة» الحي، الغرباء باتوا يعرفون أبو جورج أكثر من الدمشقيين أنفسهم.
تسكرهم ضحكته ونكاته المعهودة أكثر من الكأس. هناك، ثمة حبّ خاص لخمارة أبو جورج، التي رغم ضيقها، تراها مزدحمة بالرواد ليلاً نهاراً، حتى في عزّ الأحداث الأمنية التي تمرّ من هناك. ففي دمشق، لم تؤثر تلك الأحداث في الخمارات التي بقيت صامدة. لا بل أكثر من ذلك، فقد شهدت الفترة الأخيرة تزايداً في أعداد الخمارات... “نكاية بداعش»، كما يعلّق الدمشقيون.
هذا يحدث في دمشق. أما في حلب، فقد استسلمت معظم الخمارات للحرب. أقفلت في معظمها، بسبب التضييق على أصحابها وتسميم الكحول الذي أدى إلى حدوث وفيات كثيرة. وما زاد الوضع سوءاً، تحطيم الخمارات والمحال التي تحتوي على الكحول. الأمر الذي أدى إلى إغلاق ما تبقى منها في المنطقة. مع ذلك، حاول البعض في حلب إعادة خماراتهم إلى الحياة، ولكن بقي ذلك مقتصراً على بعض المناطق التي يوجد فيها المسيحيون، خصوصاً في ظل وجود «عرف»، أو لنقل سوء فهم، يقول بأن بناء الخمارات في المناطق المسيحية أسهل من المناطق الإسلامية، كون المسيحي قادر على الحصول على رخصة، على عكس المسلمين الذين يمنع عليهم الحصول على هذه الرخصة.
أما «اللعيبة»، فلهم شأن آخر. لهم «البراكات» التي يبيعون فيها «الشرعي» مع المشروب الكحولي بشكل لا يثير الريبة، بحيث يمكنك شراء ما تريد من البرّاكة واحتساؤه في الأماكن العامة إن أردت، ومنها السياحية، على سبيل المثال ساحة الحطب في حلب وساحة باب توما في دمشق وبعض الحدائق العامّة.