لا توفّر غزّة حيلةً لإيصال صوتها إلى الخارج، وخصوصاً عبر محاولات فنانيها الدائمة في قول كلمتهم بعيداً عن قلة الإمكانات، والموارد، وبالتأكيد الحصار الخانق الذي يجعل «صنعة» الفن صعبةً للغاية، ولا «تُطعم خبزاً».في هذا الإطار، ينتشر منذ فترة وجيزة على الشبكة العنكبوتية فيديو كليب لفرقة الراب الغزّية «صُنّاع الثورة» تحت عنوان «في بينا أمل» (5:27 د.).

تتكوّن الفرقة من أخوين فلسطينيين غزّيين هما محمد وأسامة السوسي (الصورة)، وقد يحلو للمشاهد مقارنتهما بالفنانتين السوريتين فايا وريحان يونان. الأختان المقيمتان في السويد غنتا وأمتعتا الملايين من المشاهدين عبر كليبٍ مشابه نشرتاه على الإنترنت بعنوان «لبلادي» (الأخبار 11/10/2014).
يتناول الكليب منذ اللحظة الأولى موضوع الفساد الذي «يعشش» في الوسط الفلسطيني، وتُعاني منه غالبية الفلسطينيين حالياً. وتبدو كلمات الصحافي والمحلل السياسي الفلسطيني المقيم في لندن عبد الباري عطوان التي تظهر في أوّل العمل واضحةً. وبحسب الأخوين السوسي، فإنّ الفساد في فلسطين هو ببساطة فساد «مسؤولين» قبل أي شيء آخر. كما أنّ النتيجة التي وصلنا إليها اليوم في فلسطين هي نتيجة لهذا الفساد وحصيلة له. ويحاول الكليب «تعرية» هذا الجانب من الفساد، موصلاً صوت الناس العاديين، ومؤكداً أنّهم «يرون ويعرفون ما يحدث من حولهم. وإذا سكتوا، فإنّ هذا الوضع لن يكون طويلاً البتة».
الفرقة التي انطلقت في عام 2009، استمدت اسمها أي «صُنّاع الثورة» من فكرة «الثورة» كمصطلح يدعو إلى التغيير. وبحسب كلام الأخوين السوسي، فإنّهما يدعوان «إلى التغيير في الوعي والثقافة والموسيقى الموجودة، بأساليب فنية موسيقية مختلفة تُظهر إبداعاتٍ جديدة لدى الشباب العربي». ويؤكدان أيضاً أنّ الظروف «الضاغطة» المحيطة بفلسطين عموماً، وبغزّة خصوصاً، كان لها الأثر الكبير على تأخير انطلاق الفرقة وأنشطتها عموماً، فضلاً عن عدم إيجاد التمويل المناسب. فـ«أغلب أنشطة الفرقة هي مموّلة ذاتياً، ما يضعنا أمام عوائق كبيرة لإنجاز مشاريع أكبر نحلم بها».
على الجانب التقني، يمكن الانتباه إلى أنّ الكليب محترفٌ إلى حدٍ ما، ولا يعوز المخرج أسامة السوسي الكثير من المهارات الفنية. فالشريط المصوّر يتميّز بجانب جمالي عال، ويوحي بأنّه «مموّل» جيداً. لكن الكليب نفسه لا يحمل أي إشارة إلى مموّلين أجانب أو «شركات» كبرى مموّلة. ويخبرنا محمد السوسي «لقد أنفقنا عليه بإمكاناتنا المتواضعة مئة في المئة، وأنتجناه محلياً، وسهرنا ساعاتٍ طوالاً عليه لكي يخرج بهذا الشكل الجميل والمرتّب». ويكمل ممازحاً: « لقد أعلنّا إفلاسنا بعد الانتهاء من العمل عليه».
على صعيد الراب، يبدو الثنائي بلهجتهما الفلسطينية/ الغزية الواضحة كأنّهما يحاولان إيصال الفكرة عبر لغة فنية مباشرة، تبتعد بشكل كبير عن «الدوران حول الفكرة». هم يصيبونها بشكلٍ مباشر، كما يحصل عادةّ في أغاني الراب.