مع دخول الأزمة السورية عامها الثاني، سعى القائمون على شركات التأمين إلى تحقيق انطلاقة جديدة، عبر طرح منتجات تأمينية متنوعة، تواكب المتغيرات. فكان التأمين على الحياة والصحة متوافراً في غالبية بوالص الشركات منذ مطلع عام 2012. إلا أنّ حماسة الشركات، واندفاعها، تراجع رويداً رويداً نتيجة قلة الراغبين بالتأمين، ما أدى إلى تدني إيراداتها إلى مستويات يصعب معها تعويض 5 % من المتضررين، وذلك بحسب مدير هيئة الإشراف على التأمين، الدكتور عمار ناصر آغا.
ويشير ناصر آغا إلى "مرونة عالية وخبرة جيدة، مكنتا بعض الشركات من تحقيق أرباح من منتجات تأمينية حديثة طرحت على المجتمع السوري كـ"الحياة" و"الصحة" و"الحرائق". ونظّمت الشركات حملة إعلانية واسعة، ترافقت مع خفض قيمة بوالص التأمين، ما مكنها من استقطاب عدد لا بأس به من العملاء". ورغم ذلك، يشير ناصر آغا لـ"الأخبار" إلى أنها "لم تكن تفي بالطلب، ولم ترتق إلى حجم السوق المستهدف". ويرى أنّ ابتكار تغطيات جديدة يحتاج إلى "قلب قوي، وغير متحفظ. بحيث يجترح منتجات مناسبة، ومواكبة لحركة المجتمع والاقتصاد والخدمات، ومتطلباتها"، داعياً إلى الاستفادة من "تجارب الدول التي عاشت ظروفاً مشابهة، مثل لبنان والبحرين، وانتعش فيها قطاع التأمين بسبب صياغة منتجات تناسب ظروف الأزمات".

تزايدت الإيرادات الناجمة عن اشتراك المؤسسات العامة وجهات خاصة بالتأمين ضد أخطار الحرب

مدير فرع المؤسسة العامة السورية للتأمين بدمشق، غاندي نعمة، يرى أن التحفظ مطلوب، لكن يجب "ألا يتحول إلى سياسة سلبية تشلّ شركة التأمين، وتمنعها من الانطلاق"، وتالياً لا بدّ من الخروج من القوقعة، والتعامل مع الواقع بشكل ذكي ومدروس، والابتعاد عن الخوف غير المبرر، في الوقت الذي كان يمكن فيه صياغة منتجات مقبولة ومرغوبة ومربحة، كالتأمين على الحياة ضد أخطار الإرهاب. ويلفت في تصريحه لـ"الأخبار" إلى تحقيق المؤسسة "واردات بمئات الملايين من الليرات، جرّاء طرحها منتجاً في عام 2013 يتيح للمصارف العامة التأمين ضد مخاطر نقل الأموال". كذلك تزايدت الإيرادات الناجمة عن اشتراك المؤسسات العامة وجهات خاصة بالتأمين ضد أخطار الحرب، وكل ما تتعرض له من مخاطر ناتجة من الحرق والعنف والسلب والسطو. ويوضح "أن التأمين على الحياة، الرائج بكثرة في الدول المتقدمة، ما زال الإقبال عليه ضعيفاً، لكونه يتعارض مع ثقافة دينية تُحَرِّم مثل هذه الأنواع من التأمين".
وجهة نظر مغايرة تماماً عبّر عنها مدير الدراسات وإدارة المخاطر في هيئة الإشراف على التأمين، رافد محمد، الذي يرى "أن تدني نسبة الإقبال على التأمين الصحي، حيث لا يشكل سوى 1% من إجمالي إيرادات الشركات الخاصة، هو نتيجة توفير الدولة للطبابة بشكل مجاني، واستحواذ المؤسسة العامة السورية للتأمين (الحكومية) على 80% من حصة سوق التأمين، عبر تأمينها للموظفين العاملين بالدولة، إضافة إلى قلة الوعي التأميني". ويؤكد لـ"الأخبار" أن "عائدات التأمين على السيارات ما زالت الأعلى، وسبباً رئيسياً لاستمرار نشاطات الكثير من الشركات، بما فيها المؤسسة السورية".
واقع حال كل شركة على حدة، وسياساتها المختلفة، وإيراداتها، تظهر تفاوتاً في نشاطاتها، وهو ما يوضحه الخبير بشؤون التأمين، محمد عماد الدين خليفة، بقوله: "إن هناك إقبالاً على التأمين ضدّ العنف، ونقل البضائع بين المحافظات، وتغطية المنشآت الصناعية"، فيما شهد التأمين الشامل على السيارات انخفاضاً خلال السنتين الماضيتين، مقارنة بالأعوام السابقة للأزمة. وقال خليفة، الذي كان سابقاً مديراً لإحدى شركات التأمين الخاصة: "إن شركات التأمين تقدّم تغطيات اختيارية للزبائن الراغبين في تغطية المخاطر، وهذه التغطيات تشمل مخاطر العنف، التي تشمل، بدورها، أخطار الحرب والشغب والأعمال الكيدية".
أمّا ما يعوق بعض الشركات عن خوض "مغامرة" طرح منتجات تأمينية جديدة، فهو أن مثل هذه التغطيات هي خارج الاتفاقيات مع شركات إعادة التأمين. وهنا يربط خليفة بين قدرة الشركات على القيام بهذا الدور، وبين وضع السيولة لديها، فالأمر، بحسب رأيه، "يتوقف على قدرة الشركات في المحافظة على سيولة تضمن لها مواجهة التزاماتها، وتوجيه فائض السيولة نحو الاستثمارات الأفضل، مع ضمان عنصر الوقاية".