قبل عام 2006، لم تكن ورش العمل، وفق المفهوم الحالي، سائدة في دمشق. «إذا استثنينا فترة الأشهر السبعة المعروفة بربيع دمشق بين عامي 2000 و2001، فإن ورش العمل والمنتديات الأدبية لم تكن ظاهرة معروفة للسوريين خلال فترة حكم حزب البعث، فما كان سائداً هو القبضة الأمنية المسدلة على كل النشاطات الاجتماعية والسياسية»، يقول المعارض السوري الشاب، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه في حديث مع «الأخبار». ويعقب: «منع ورش العمل أضاع الفرصة على الكثير من الشباب للانخراط في عملية تفكير حر، بعيداً عن النماذج والتعاميم المسبقة. ولو كان مسموحا بها، لما كنا رأينا اندفاعاً كبيراً لدى الشباب باتجاهات مشوهة اليوم».
ورش عمل «بالأبيض والأسود»، وأخرى «ملونة»، هكذا يرى الناشط في «اتحاد شبيبة الثورة»، مهران حسن، ورش العمل التي انتشرت بعد الأزمة السورية، فبحسب حسن: «ورش العمل التي تقوم بها الاتحادات والمؤسسات التي تقف في صف الدولة السورية ما زالت بدائية حتى اليوم، ولا تزال تعمل تحت سقوف محددة ليس من السهل تجاوزها، وهو ما يمكن توصيفه بأنه من زمان الأبيض والأسود، حيث يأتي الرفاق بأحد المختصين ليشرح للحضور موضوع البرمجة اللغوية العصبية مثلاً، ونسميه ورشة عمل، إلا أنه غالباً ما يكون باهتاً وبدائياً». في المقابل، يرصد حسن «تلك الحيوية الموجودة في النشاطات التي ليست بالضرورة أنها تدعم الدولة. وهنا أقصد الجمعيات غير الحكومية، التي تستخدم التقنيات كلها، لتصدير أفكارها بأبهى صورة».
زملائي في الورشة انقلبت آراؤهم السياسية بشكل مفاجئ

فيما تذهب المؤسسات المقربة من حزب «البعث» إلى بناء ورش العمل حول مواضيع كـ«لغة الجسد»، و«البرمجة اللغوية العصبية»... إلخ، دون تغيير كبير في الشكل والمضمون، تقوم الجمعيات غير الحكومية بتنويع طروحاتها والمواضيع التي تقوم عليها ورش العمل. «مدخل إلى فن التفاوض وحل النزاعات»، هو «عنوان جذاب» بالنسبة للناشط في المجتمع المدني، إياد العسلي، الذي أكد لـ«الأخبار» أن «الناس ملوا من التكرار والالتفاف حول مواضيع جامدة وبعيدة عن الأزمات التي يعيشونها. ففي ظل قذائف الهاون والصواريخ واستمرار العنف، هل من المنطقي أن أدعو الناس لحضور ورشة عمل حول لغة الجسد؟ بالتأكيد لا، هؤلاء ينتظرون منا أن نطرح ما يعانونه يومياً، ونلاحظ صحة هذا القول من خلال ازدياد أعداد المشاركين في نشاطاتنا المستقلة».
إذاً أنتم مستقلون ولا تتبعون إلى أي جهة سياسية؟ نسأل العسلي، قبل أن يستدرك: «أن نكون تابعين إلى هذا الاتجاه أو ذاك، لا يعني أننا لا نستطيع أن نجمع الناس على مواضيع موحدة وجامعة، دون أن نسعى إلى تأطيرهم في قوالب جاهزة. نحن نطرح رأينا الشخصي حول المواضيع جميعها، بما فيها السياسية أحياناً، ولهم هم حرية الاختيار».
في مقابل محدودية الأفكار شكلاً ومضموناً لدى الجمعيات والمنظمات السياسية، بشقيها المؤيد والمعارض، يمكن التماس الكثير من الأفكار الجديدة لدى المنظمات غير الحكومية، التي يشير كثيرون إلى أن دورها في الاستقطاب السياسي لا يقل أبداً عن الجمعيات التابعة إلى إحدى القوى السياسية بشكل مباشر. يشير أحد طلاب كلية الإعلام الذين التقتهم «الأخبار» إلى ورشة عمل جرت هذا العام في عدد من المحافظات السورية، تحت عنوان «عدسة سلام»: «جرت هذه الورشة برعاية إحدى المنظمات التي من المفرض أنها دولية ومستقلة، وتقوم الورشة بالتدريب على صناعة الأفلام القصيرة. ما كان صادماً بالنسبة لي، أنه وبعد أن انضم عدد من زملائي إلى هذه الورشة، انقلبت آراؤهم السياسية بشكل مفاجئ وغير مبرر، لاستنتج لاحقاً أن مجالات للعمل مع إحدى المنظمات السويدية قد فتحت لأكثرهم كفاءة».