ما بعد «دابق»: أنقرة تناور بين «خطّين أحمرين»

  • 0
  • ض
  • ض

بسهولة نجح الغزو التركي بمشاركة المجموعات المنضوية تحت لواء «درع الفرات» في السيطرة على بلدة دابق، وعدد آخر من البلدات والقرى. العمليّة التي انطلقت في أيلول الماضي أثمرت حتى الآن الاستيلاء على منطقة بطول 90 كم وعمق 20 كم، بينما تطمع أنقرة للوصول إلى عمق 45 كم، لكنها تصطدم في الوقت الرّاهن بخطين أحمرين: روسي وأميركي

حقّق الغزو التركي أمس هدفاً معنويّاً كبيراً بسيطرته على بلدة دابق وعدد من القرى والبلدات المحيطة بها مثل احتيملات، وصوران اعزاز، وتلالين وصولاً إلى سنبل والمسعوديّة. المعارك التي خاضتها القوات التركية بمشاركة عدد من المجموعات المسلحة المنضوية تحت مظلّة «درع الفرات» لم تشذّ عن السيناريو الذي تكرّر منذ بدء عمليات الغزو من حيث انسحاب تنظيم «داعش» سريعاً، ومن دون دفاع مستميت كما دأبت العادة في كل معارك التنظيم قبل «درع الفرات». ولم تحُل «الرمزيّة» التي تحظى بها بلدة دابق بين التنظيم المتطرف وبين الانسحاب السريع منها. وكما أشارت «الأخبار» في وقت سابق، كان «داعش» قد اتّخذ قرار الانسحاب قبل قرابة أسبوعين، وبدأ بتهيئة «بيئته» ومقاتليه للأمر عبر ترويج خطاب «شرعي» مفادُه أنّ المعركة الراهنة لا علاقة لها بـ«موقعة آخر الزمان» التي تؤكّد «أدبيّات التنظيم» أنّ دابق ستكونُ مسرحاً لها.

يختلف الأمر لدى الحديث عن انطلاق «درع الفرات» نحو الباب أو منبج
(راجع «الأخبار»، العدد 3002). وإذا كانت «رمزية دابق» من وجهة نظر «داعش» قد حظيت بنصيبٍ وافٍ من تسليط الضوء، فإن للبلدة رمزية خاصة لدى الأتراك أيضاً، حيث كانت مسرحاً لمعركة تاريخيّة بين العثمانيين والمماليك قبل خمسمئة عام. وكان انتصار العثمانيين فيها مفتاحاً لسيطرتهم على كامل سوريا لاحقاً، ومن ثمّ للانطلاق نحو مصر والاستيلاء عليها. ويمكن القول إنّ ما حقّقته «درع الفرات» أمس كفيلٌ بالتحوّل إلى نقطة مفصليّة في سير العمليّة، ولا يبدو التحرّك نحو أهداف جديدة «من الوزن الثقيل» أمراً متاحاً في المدى المنظور. ومن المرجّح أن يعكف الأتراك في المرحلة الرّاهنة على تكريس وجودهم والمجموعات التابعة لهم في المنطقة التي تحوّلت إلى «منطقة آمنة» غير مُعلنة، مع الاكتفاء بقضم مزيد من القرى والبلدات الصغيرة شمال الباب. ومن بين البلدات التي تحظى بأهميّة أكبر من سواها تبرز «تل مالد» (أقصى الشمال الغربي من الباب). ومن شأن ضمّ هذه البلدة إلى المناطق المستولى عليها تركيّاً أن يمنح هامش أمان إضافيّاً لمدينة مارع، حيث تقع «تل مالد» جنوبها مباشرةً. كما تتيح السيطرة على تل مالد التضييق على «قوات سوريا الديمقراطية» بقيادة الأكراد، التي تتمركز في «أم حوش» بعدما طردت تنظيم «داعش» منها. ويختلف الأمر لدى الحديث عن احتمالات انطلاق «درع الفرات» نحو مدينة الباب أو مدينة منبج (ريف حلب الشرقي). وتشير المعطيات المتوافرة إلى أنّ الانطلاق حاليّاً نحو مدينة الباب (تحت سيطرة «داعش») دونَه «خطوط حمر» روسيّة. وتؤكّد معلومات متقاطعة حصلت عليها «الأخبار» أنّ «حدود التوافق التركي الروسي غير المعلن في شأن درع الفرات تلحظُ عدم الانطلاق نحو الباب في المرحلة الراهنة». كذلك؛ يبدو التفكير في مهاجمة منبج محاطاً بعقبات كثيرة، على رأسها أنّ المدينة واقعةٌ تحت سيطرة «المجلس العسكري لمنبج وريفها» الذي سبق له أن طرد «داعش» منها بعونٍ أساسيّ من «طيران التحالف الدولي» و«قوّات سوريا الديمقراطيّة». وعلاوةً على أنّ مهاجمة منبج على يد الأتراك تحتاج إلى رفع لـ«الخط الأحمر» الأميركي (وهو أمرٌ لا يبدو متاحاً في المدى المنظور)، ثمّة عقبات أخرى على رأسها أنّ المعركة ضدّ «المجلس العسكري لمنبج» لن تكون نزهةً شبيهةً بالمعارك التي تخوضها «درع الفرات» ضدّ تنظيم «داعش». ومن المستبعد أن تنجح أنقرة حاليّاً في كسر أيّ من الخطّين الأحمرين المذكورَين، ولا سيّما في ظل انهماكها في انتزاع دور أساسيّ في معارك تحرير الموصل المُنتظرة، لكنّ ذلك لا يعني اقتصار المطامع التركيّة على ما جرى تحقيقه، بقدر ما يعني إرجاء بعض الخطوات إلى «اللحظة المناسبة». وضمن هذا الإطار جاءت تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أمس لتؤكّد أنّ «هدف درع الفرات يتمثّل في الوصول إلى مدينة الباب». بدوره جدّد وزير الدفاع التركي فكري ايشيق الحديث عن «المنطقة الآمنة» مشيراً إلى أنّ «درع الفرات» لن تتوقّف قبل النجاح في «الوصول إلى عمق 45 كيلو متراً» داخل الأراضي السورية. وقال ايشيق إنّه «لم يعد من السهل بعد الآن إطلاق الصواريخ نحو تركيا إنطلاقًا من الأراضي السورية»، وأضاف «انتهى عصر الدفاع عن بلدنا من داخل حدودنا، وباتت أولويتنا تتمثل بسحق والقضاء على أي تهديد موجه ضدنا حيث يكون». وكان الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان قد كرّر قبل يومين الحديث عن قرب إعلان «منطقة آمنة» شمال سوريا على مساحة خمسة آلاف كيلومتر مربّع. وربط أردوغان بين هذا الإعلان و«معركة دابق».

  • حقّق الغزو التركي هدفاً معنويّاً كبيراً بسيطرته على بلدة دابق (أ ف ب)

    حقّق الغزو التركي هدفاً معنويّاً كبيراً بسيطرته على بلدة دابق (أ ف ب) (أ ف ب )

0 تعليق

التعليقات