أستانة | لم يختلف سقف تصريحات الوفدين السوريين في محادثات الأستانة عن تلك المكرّرة يومياً. ردود نارية متبادلة توحي بأن «جمع الأضداد» شبه مستحيل لاختلاف أجندة الطرفين. رغم ذلك يبقى دور الضامن الروسي ــ التركي هو الأساس في إخراج ورقة نهائية يتفق عليها الجميع.
دون سقف الجلسات التركية ـ الروسية ــ الإيرانية الثلاثية كان اليوم الأول من المحادثات أشبه بأيام «جنيف»، إذ فشلت الأطراف الراعية في فرض محادثات مباشرة تجمع الوفدين الحكومي والمعارض، بعدما أعلنت الفصائل المسلحة رفضها ذلك.
رفض المحادثات المباشرة والكلمة «المستفزّة» لوفد المعارضة جاء ضمن إطار التصعيد الهادف إلى مطالبات بسقف أعلى، تمثّلت بإقحام شرط «خروج الجماعات الأجنبية» لنقاش مصير «جبهة النصرة». ومع استمرار عمل وفود العواصم الثلاث الضامنة، على إخراج الورقة الختامية التي تتضمن ما قد يتوافق عليه الوفدان الحكومي والمعارض، بدت مطالبات الأخير خارج السياق المعقول، لسببين رئيسيين: الأول يتمثّل برفض قاطع لنقاش مثل هذه الخطوة في هذه المرحلة من قبل دمشق وطهران، والثاني هو تعارضها مع الوثائق الموقّعة أصلاً لتفاهم وقف إطلاق النار، الذي يحيّد «جبهة النصرة» ويطالب بالعمل العسكري ضدها إلى جانب «داعش»، فيما لا يسميّ أي فصيل آخر من الطرف الموالي لدمشق.
وقد يكون التطور الأهم الذي حدث خلال اليوم الأول من المحادثات، ما حصل خارج قاعات فندق «ريكسوس» الذي يستضيف جلساتها، مع إعلان وزارة الدفاع الروسية تنفيذها أول عملية مشتركة بتنسيق مع قوات «التحالف الدولي» في سوريا، استهدفت مواقع «داعش» في محيط مدينة الباب في ريف حلب. وأكدت الوزارة في بيان أن قيادة قواتها الجوية في سوريا تسلمت أول من أمس، من الجانب الأميركي «إحداثيات أهداف تابعة لتنظيم (داعش) بالقرب من مدينة الباب في محافظة حلب». وأضاف البيان أن طائرات روسية وطائرتين من «التحالف الدولي» نفّذت بشكل مشترك «ضربات جوية ضد مواقع الإرهابيين».
وبرغم النفي المباشر من وزارة الدفاع الأميركية لأي تنسيق مباشر مع الجانب الروسي وتأكيدها أن «قناة الاتصال الوحيدة بين التحالف وروسيا في سوريا، هي (خط الاتصال المفتوح لأسباب أمنية) بهدف تجنب الاصطدام بين الطائرات الروسية وطائرات التحالف»، جاء إعلان البيت الأبيض عن «انفتاح» الرئيس الجديد دونالد ترامب، على التعاون مع «روسيا وغيرها» ضد «داعش»، ليفتح المجال أمام احتمالات مختلفة قد تعزز المشهد السوري الجديد في أعقاب مؤتمر أستانة، وصولاً إلى جولة جنيف المرتقبة الشهر المقبل. إذ قال المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض شون سبايسر، في أول مؤتمر صحافي له تحت رئاسة ترامب: «إذا كانت هناك إمكانية لمحاربة تنظيم (داعش) مع أي بلد، سواء كانت روسيا أو غيرها، وكانت لنا مصلحة وطنية مشتركة في ذلك سنفعل بالطبع ذلك».

هاجم الجعفري بيان الوفد المعارض «المستفز وغير الواقعي»


وفي ما يشير إلى تعزيز للتنسيق الروسي ــ التركي في السياسية والميدان، أعلن الجيش الروسي أن ثلاث قاذفات روسية وأربعاً تركية شنت عدة غارات على 22 هدفاً لتنظيم «داعش» في محيط الباب.
وشهد اليوم الأول من المحادثات افتتاح الجلسة العامة التي حضرها كل من الوفود المشاركة والمراقبين والبلد المضيف، بكلمة تلاها وزير الخارجية الكازاخي خيرت عبد الرحمنوف، باسم الرئيس نور سلطان نزارباييف. ثم تلتها كلمات الوفدين السوريين الحكومي والمعارض قبل عقد لقاءات منفصلة مع الجانب الروسي. وقال رئيس وفد المعارضة محمد علوش، إن هدف المفاوضات هو «تثبيت وقف إطلاق النار وتجميد العمليات العسكرية في كل أنحاء سوريا، وتطبيق الإجراءات الإنسانية». وأوضح أن هذه الخطوات «ورقة قوية للدفع باتجاه الانتقال السياسي المنشود»، مشدداً على أن «العملية السياسية تبدأ برحيل (الرئيس السوري) بشار الأسد والطغمة الحاكمة، وإخراج كل الميليشيات والقوى الأجنبية التابعة لإيران». وكشف المتحدث باسم الوفد يحيى العريضي، أن المحادثات كانت «مطوّلة ومثمرة»، مشيراً إلى أن محادثات الثلاثاء (اليوم) ستكون غير مباشرة و«من خلال وساطة». ومن جهته، أشار المتحدث باسم وفد المعارضة أسامة أبو زيد، إلى أن الوفد سيركز على «مسائل تثبيت الهدنة ووقف الخروقات، ولا سيما في وادي بردى والغوطة الشرقية وجنوبي العاصمة دمشق». وفي المقابل، أوضح رئيس الوفد الحكومي بشار الجعفري، أن دمشق تأمل التوصل إلى «تثبيت وقف الأعمال القتالية لمدة زمنية محددة يجري خلالها الفصل بين التنظيمات الموقعة والراغبة بالتوجه إلى مصالحة وطنية والاشتراك في العملية السياسية من جهة وبين تنظيمي (داعش) و(النصرة) الإرهابيين والتنظيمات المرتبطة بهما، على أمل أن تتضافر جهودنا جميعاً في محاربة الإرهاب».
وهاجم الجعفري بيان الوفد المعارض الذي تلاه رئيسه محمد علوش، بالقول إن الوفد الحكومي «وفد الجماعات الإرهابية المسلحة الذي قرأ بياناً، أعدّه له مشغلوه لم يكن على مستوى تلك الجهود فأساء تقدير الموقف وأضاع بوصلة الحكمة والحس السليم».