لم تنجح «حركة أحرار الشام» في احتواء الخلاف مع «جبهة فتح الشام» التي رفضت مبادرتها لدعوة قادة فصائل الشمال إلى اجتماع تتمخّض عنه قيادة موحدة، وسارعت إلى الإعلان عن تشكيل عسكري جديد يضم عدداً من أكبر الفصائل تحت اسم «هيئة تحرير الشام».
التشكيل الجديد الذي بدأ باستقطاب عدد من فصائل «أحرار الشام» قد يعمّق حالة الخلاف بين الفصيلين، خاصة مع اختيار واحد من شخصيات «أحرار الشام» المعروفة سابقاً، وهو أبو جابر هاشم الشيخ لقيادته، ما قد يقود إلى تجدد الحرب بين أكبر تشكيلين للفصائل المسلحة في الشمال السوري، رغم الإعلان عن وقف إطلاق نار بين «فتح الشام» وباقي الفصائل إثر الإعلان الجديد.
وتضمّ «هيئة تحرير الشام»، إلى جانب «جبهة فتح الشام»، كلاً من «حركة نور الدين الزنكي» و«لواء الحق» و«جبهة أنصار الدين» و«جيش السنّة». وترافق الإعلان عنه بخروج تظاهرات لأنصار «فتح الشام» في ريفي إدلب وحماة، تأييداً ودعماً له، في الوقت الذي تراجعت فيه حدة الاشتباكات بين «ألوية صقور الشام» و«فتح الشام» في جبل الزاوية، مع استمرار الاستنفار بين كل الأطراف المقتتلة.

«فتح الشام»
تسيطر على معظم الريف الغربي
لمحافظة إدلب
وعقب الإعلان، بدأت بيانات «المبايعة» تنتشر بشكل كثيف على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بأنصار الفصائل المسلحة التي أعلنت انضمامها إلى «هيئة تحرير الشام»، في مقابل إعلان فصائل أخرى انضمامها إلى «أحرار الشام»، من بينها «كتائب مجاهدي ابن تيمية» و«لواء المقداد بن عمرو» الذي خرج ضمن اتفاق مصالحة مع الدولة السورية من داريا في ريف دمشق.
وحتى مساء أمس، أعلن أكثر من 12 فصيلاً بيعتهم لـ«هيئة تحرير الشام» التي يقودها أبو جابر الشيخ (الأمير السابق لحركة أحرار الشام)، الذي أعلن قبل أيام حلّ «جيش الأحرار» الذي شكّله من 16 فصيلاً انشقوا عن «الأحرار»، واستقالته من عضوية «أحرار الشام».
كذلك، أعلن كل من السعودي عبدالله المحيسني (قاضي عام جيش الفتح) والناطق العسكري لـ«أحرار الشام» أبو يوسف المهاجر، وأحد أبرز قادة «الأحرار» أبو صالح طحان، وعدد من الدعاة الاسلاميين، بيعتهم لـ«الهيئة» المشكّلة. وذكر ناشطون أن الجولاني (زعيم جبهة النصرة) سيتسلم القيادة العسكرية في «الهيئة»، من دون إعلان رسمي عن ذلك، على أن يشاركه في مهماته أبو صالح طحان.
وبعد استقطاب «الهيئة» لشخصيات وفصائل من «أحرار الشام»، أصبح «الجناح القاعدي» للأخيرة تحت راية «هيئة تحرير الشام»، في الوقت الذي بات يعاني فيه «الجناح الإخواني»، الذي يقوده أبو عمار العُمر، من كثرة الانشقاقات، بعد إعلان العديد من القطاعات بيعتها لـ«هيئة تحرير الشام»، من بينها «سرية الأقصى ــ قطاع حلب» و«قوافل الشهداء ــ قطاع خان شيخون».
ومن جانبه، نفى الناطق الرسمي لـ«أحرار الشام»، أحمد علي قرة علي، في تغريدة له على «تويتر»، أنباء «انضمام أي تشكيل من (أحرار الشام) إلى (هيئة تحرير الشام)»، مشيراً إلى أن «استقالة أبو هاشم الشيخ وأبو يوسف المهاجر جاءت بصفة شخصية وعضويتهم معلقة سابقاً».
ورغم عدم صدور تعليق رسمي من «أحرار الشام» على بيان تشكيل «هيئة تحرير الشام»، إلا أن ناشطين أكدوا أن مشاورات جارية لإعلان «أحرار الشام» تشكيل تكتّل موازٍ تحت اسم «جيش تحرير سوريا»، يضم «فيلق الشام» و«جيش العزة» والفصائل التي اندمجت مع «الأحرار» خلال المواجهات مع «فتح الشام». وفي سياق متصل، أكدت مصادر محلية لـ«الأخبار» أن «هيئة تحرير الشام» أمهلت «ألوية صقور الشام» مهلة لتسليم سلاحهم في جبل الزاوية، قبل أن «تعاود الهجوم عليهم».
وكنتيجة للاستقطاب الحادّ بين الفصائل نتيجة التشكيل الجديد، تسود حالة من التوتر مناطق واسعة في أرياف إدلب وحماة وحلب، في انتظار ما ستؤول إليه الأمور مع توالي الانشقاقات في صفوف «أحرار الشام» واستمرار القادة السابقين فيها بالإعلان عن بيعتهم لأبو جابر الشيخ.
وفي السياق، أكّدت مصادر محلية في ريف إدلب لـ«الأخبار» أن «أحرار الشام» عززت مواقعها على المعابر الحدودية مع تركيا شمالاً، ونشرت العشرات من الحواجز مدعمة بعدد كبير من عناصرها، بمشاركة عناصر من فصائل اندمجت معها في سرمدا وجبل الزاوية، «بعد معلومات وردتها عن تحركات لـ(هيئة تحرير الشام) وتسييرها لأرتال قرب سرمدا لأسباب مجهولة». وقال مصدر من سكان مدينة إدلب، في حديثه إلى «الأخبار»، إن «دوريات (جيش الفتح) لم تعد تتجول في المدينة منذ إعلان تشكيل (هيئة تحرير الشام)، إضافة إلى إزالة كل الرايات التابعة لـ(القوة التنفيذية)، في إشارة إلى قرب الإعلان عن حل (جيش الفتح)». ووفق ما أعلن ناشطون، فقد قامت «هيئة فتح الشام» بعزل مدينة معرة النعمان جنوبي إدلب وقطع كل الطرق المؤدية إليها بالحواجز والسواتر الترابية، مع تكثيف لوجودها العسكري في محيطها.
وحول توزع سيطرة الفصائل في المناطق التي شهدت اقتتالاً خلال الأيام الماضية، ما زالت «فتح الشام» تسيطر على معظم الريف الغربي لمحافظة إدلب وصولاً إلى معبر خربة الجوز، بعد هجومها في بداية الاقتتال على نقاط «أحرار الشام»، بينما تتشارك مع بقية الفصائل التي تتصارع معها الانتشار في الريف الجنوبي وصولاً إلى خان شيخون وسرمدا شمالاً، مع استمرار انتشارها في محيط جبل الزاوية الذي تسيطر عليه «أحرار الشام» والفصائل المتحالفة معها.