دمشق | حافظت العلاقات الاقتصادية السورية ــ العراقية على متانتها حتى وقت متأخر من عمر الحرب في سوريا، إذ شكّلت الصادرات السورية إلى العراق أكثر من 22% من مجمل الصادرات، وبلغ حجم التبادل التجاري الثنائي ذروته عام 2012، ليصل إلى حوالى 45 مليار ليرة سورية، بما يعادل 32% من مجمل الصادرات إلى الدول العربية، وفق دراسة أعدّتها غرفة تجارة دمشق عن العلاقات الاقتصادية بين سوريا والعراق.
هذا الواقع الاقتصادي الجيد نسبياً شهد تحولاً دراماتيكياً بعد إغلاق المعابر الحدودية، ضمن خطةٍ ممنهجةٍ لخنق سوريا اقتصادياً عبر منع نفاذ منتجاتها إلى السوق الأهم بالنسبة إليها، ما ألحق خسائر كبيرة جراء تكدّس البضائع داخلياً. ومع غياب المنتجات السورية، احتلّت المنتجات التركية والصينية محلّها، ما دفع الجانبين السوري والعراقي إلى البحث عن حلول بديلة ــ وإن بتكاليف أعلى ــ عبر الشحن جواً وبحراً.
وقد تكون أهم بوادر إعادة تفعيل العلاقات التجارية بين سوريا والعراق هي توقيع اتفاقية لإنشاء غرفة تجارة مشتركة، في العاشر من الشهر الماضي، بعد سلسلة لقاءات بين كبار مسؤولي البلدين ورؤساء الفعاليات الاقتصادية، خلال زيارة وفد عراقي رفيع المستوى تجاوز عدده 200 من رجال الأعمال إلى دمشق، على هامش «معرض التصدير وتقنياته»، بمبادرة من «اتحاد المصدرين السوريين».
الزيارة هدفت إلى إحياء التبادل التجاري والعمل على إزالة العقبات أمام وصول المنتجات السورية إلى العراق وبالعكس، وهو ما أكده رجل الأعمال العراقي مازن جواد، الذي رأى أن «سوريا تمتلك رغم الحرب منتجات بنوعية وسعر مقبولين، فيما يمتلك العراقيون المال، وبهذه الصيغة يمكن التعاون وعقد الصفقات، خاصة في ضوء انخفاض التكلفة، لانعدام الرسوم الجمركية بين البلدين».
بدوره، يتفق كلام جواد مع خازن غرفة صناعة دمشق، ماهر الزيات، الذي أكد «أهمية السوق العراقية للمنتجات السورية، التي تلاقي رواجاً هناك»، لافتاً إلى «العقود التي جرى توقيعها مع عدد من رجال الأعمال العراقيين خلال زيارتهم».

انتعاش اقتصادي

وبعد إتمام الاتفاقية، استبشر قطاعا الأعمال السوري والعراقي خيراً. وفي تصريح إلى «الأخبار» قال رئيس «اتحاد المصدرين»، محمد السواح، إن «النتائج الأولية تتمثل في كسر الجليد عند رجال الأعمال العراقيين، في ظل بروباغندا إعلامية تروّج أن سوريا فاشلة اقتصادياً»، مشيراً إلى «حصول تعاقدات جديدة بين الصناعيين والمستوردين العراقيين».
وأوضح أن «هناك طائرة أسبوعية تحمل رجال أعمال عراقيين إلى دمشق، ما يعني إعادة الحياة إلى السوق العراقية مجدداً، بعد (معرض التصدير وتقنياته)»، مضيفاً أنه سيتم استكمال التعاون «عبر إقامة معرض (سيرمودا) للصناعات النسيجية والألبسة في بيروت بعد أيام».
ومن جهته، أكد رئيس اتحاد غرف التجارة السورية، غسان القلاع، الذي مثّل الجانب السوري في اتفاقية التعاون، أن قرارات جديدة ستصدر عن وزارة الاقتصاد لتعزيز التعاون، أهمها استيراد التمور العراقية مقابل تصدير الخضر والفواكه، والسماح باستيراد النفط لحساب الصناعيين والقطاع الخاص، وإعطاء المواطنين العراقيين غير المقيمين استثناءات لفتح حسابات بالقطع الأجنبي في البنوك السورية، إلى جانب إقامة بنك سوري ــ عراقي مشترك يحلّ مشكلة التحويلات المالية بين البلدين».

«البيت السوري» شغلنا الشاغل

وفي المقابل، أبدى الجانب العراقي حماسة لعودة المنتجات السورية إلى سوقه عوض المنتجات التركية والصينية، وقال رئيس الغرفة التجارية العراقية ــ السورية المشتركة، صادق عباس جهاكير، في حديثه إلى «الأخبار»: «نحن عازمون بشكل جدي على إحياء هذا الخط الحيوي لإيصال البضائع السورية إلى المستهلك العراقي بأقل تكاليف ممكنة».
ولفت إلى أنه «تم التوقيع على بروتوكول مع شركة (فلاي داماس) لنقل البضائع، عبر تأسيس شركة شحن خاصة بالغرفة، ترسل عينات البضائع مجاناً لأعضائها المنتسبين، الذين سيتم منحهم أيضاً حسماً بقيمة 50% عند الزيارات المتبادلة»، موضحاً أنه «سيتم شحن 40 طناً أسبوعياً تشمل مختلف أنواع البضائع السورية، مقابل تحميل التمور العراقية كمرحلة أولى، كذلك سيتم تخصيص باخرة نقل من سوريا إلى ميناء أم قصر». كما شدد جهاكير على أن الشغل الشاغل للغرفة المشتركة حالياً هو «البيت السوري»، الذي فضل أن يكون في العاصمة بغداد ضمن أحد أسواقها المركزية الكبيرة ليكون في متناول المستهلك العراقي.
ويشير جهاكير إلى أن تعزيز التبادل التجاري الثنائي بالشكل الأمثل يحول دونه إغلاق المعابر الحدودية بسبب وجود تنظيم «داعش»، فيما يؤكد رئيس اتحاد المصدرين «استمرار المصدرين السوريين في العمل رغم هذا الواقع الصعب، عبر تصدير منتجاتهم، وخاصة النسيجية، بحراً وجواً». ويلفت إلى أن «المستهلك العراقي تضرر جراء ارتفاع فاتورة معيشته بسبب فقدان المنتجات السورية سعرها المنخفض».