لم يشهد يوم أمس، وفق المقرر، انعقاد الاجتماع الثاني ضمن سلسلة لقاءات أستانة لبحث اتفاق وقف إطلاق النار وتداعياته في الميدان، بعد تأجيل موعد انطلاق المحادثات إلى صباح اليوم، لدواع «فنّية»، وفق ما أعلنت وزارة الخارجية الكازاخية.
التأجيل بدا خارج الجدول المقرر، خاصة أن الوفود التي ستشارك فيه حضرت إلى العاصمة الكازاخية، باستثناء تأخر وفد الفصائل المسلحة عن موعد وصوله، رغم إعلانه المشاركة بوفد «مصغر». وشهد أمس اجتماعات ثنائية بين الوفد الحكومي السوري وكل من الوفدين الروسي والإيراني، تم خلالها بحث «معطيات ومعلومات من أجل التحضير سوية، بشكل جيد لاجتماعات» اليوم، وفق ما أوضح رئيس الوفد الحكومي بشار الجعفري، من أستانة.
ومع تأخر حضور الفصائل المعارضة المسلحة وغياب وفدها الموسع، بالتوازي مع ما حمله الأسبوع الماضي من تهديدات بعدم المشاركة في الاجتماع، بدا لافتاً استمرار الاشتباكات بين فصائل الجنوب والجيش السوري داخل مدينة درعا، في وقت كان ينتظر فيه ما ستفضي إليه مشاركة الأردن في لقاء أستانة، بعد طرحها إدخال الجنوب السوري تحت مظلة اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي انتظار ما قد يرشح عن لقاءات اليوم من نتائج على مسار مراقبة وضمان وقف إطلاق النار تمهيداً لجولة جنيف المقبلة، رأى رئيس الوفد الحكومي السوري أن «من السابق لأوانه الحديث عن تفاؤل أو تشاؤم في ما يتعلق بما سينتج من هذا الاجتماع، ولكن ما يسترعي الانتباه هو أن الوفد التركي ووفد المجموعات المعارضة المسلحة لم يصلا بعد».
ومن جهته أشار رئيس الوفد الروسي ألكسندر لافرينتيف إلى أن هناك جزءاً من النقاط التي تحتاج إلى الاتفاق عليها لاتخاذ قرارات متزنة، معرباً عن أمل بلاده في «أن اتخاذ هذه القرارات سيسهم في تعزيز وقف العمليات القتالية، وهو الأمر الذي يعتبر أساساً للمضي قدماً في تسوية الأزمة». وأوضح أن وفداً من الجانب الأردني سيحضر اللقاء، كذلك سيكون هناك ممثلون عن فصائل «الجبهة الجنوبية».
ويبدو تلكّؤ الجانب المعارض في حضور أستانة مرتبطاً بمحاولات نقل ملف التفاوض من على طاولة أستانة إلى محادثات جنيف، التي تبعد أياماً قليلة فقط، لا سيما أن الفصائل المعارضة تتمتع بتمثيل وازن في وفد «الهيئة العليا» المعارضة، إذ أعلنت المعارضة المسلحة أن وفداً «مصغراً» سيمثلها في اجتماع أستانة، موضحة أن الوفد سيضم مجموعة من «الخبراء الفنيين».
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن يحيى العريضي، وهو أحد المتحدثين باسم وفد الفصائل المعارضة إلى أستانة، ما مفاده أن «الوفد المعارض سيحضر برئاسة محمد علوش... لمناقشة أمر واحد فقط، إذ تلقينا وعداً بأنه سيصار إلى تثبيت وقف إطلاق النار». وأضاف العريضي: «هذا ما نأمل إنجازه في حال توفر إرادة من قبل الضامنين وتحديداً روسيا». ومن المقرر أن يلتقي وفد المعارضة، وفق العريضي، ممثلين عن روسيا وتركيا والأمم المتحدة التي سبق أن أعلنت أنها سترسل «فريقاً تقنياً».
وأوضح رئيس الدائرة الإعلامية في «الائتلاف السوري» المعارض، أحمد رمضان، في تصريح إلى وكالة «فرانس برس»، أن الوفد سيضم إلى جانب علوش «خمسة أعضاء من ممثلي الفصائل» المسلحة، لافتاً إلى أن هدف المشاركة هو «نقل رسالة إلى الروس مفادها عدم وجود التزام» باتفاق وقف إطلاق النار، فضلاً عن «استمرار الانتهاكات». وشدد على أن الوفد سينقل أيضاً رسالة أخرى مفادها «رفض التطرق إلى أي ملف سياسي في أستانة، ونقل ذلك إلى جنيف تحت مرجعية الأمم المتحدة».

أكد مصدر ميداني
أن سيطرة المسلحين لا تتجاوز 20% من حيّ المنشية

وبالتوازي، أشارت «الهيئة العليا» المعارضة، أمس، إلى أنها تريد إجراء «مفاوضات مباشرة» مع وفد الحكومة السورية، خلال جولة محادثات جنيف المرتقبة. وقال المتحدث باسم «الهيئة»، سالم المسلط، لوكالة «رويترز»، إن المعارضة ملتزمة بموقفها حول استثناء مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في أي دور مستقبلي، حتى في المرحلة الانتقالية، مضيفاً أن «الثمن الباهظ الذي دفعه الشعب السوري سيضيع لو بقي الأسد في السلطة».
أما في الميدان، فقد استمرت الاشتباكات العنيفة بعد ساعات على احتواء الجيش السوري للوضع الميداني في حي المنشية، جنوب مدينة درعا. وتركز تقدم الفصائل المسلحة، خلال اليومين الماضيين، على محور دوار المصري باتجاه كتلة النجار. وأكدت مصادر ميدانية سورية أن ازدياد عدد المفخخات أجبر عناصر الجيش على الانسحاب المؤقت نحو خطوط خلفية تسمح بوصول الدعم والمؤازرة، في ظل ضرورة تشكيل خط دفاعي لتثبيت تحصينات جديدة تمنع المسلحين من مدّ نفوذهم داخل الحي.
ولفتت المصادر إلى أن إجمالي سيطرة المسلحين لا تتناسب على الأرض مع الزخم الإعلامي لوسائل إعلام المعارضة، التي زعمت السيطرة على الحي بالكامل، منذ الساعات الأولى على بدء الهجوم. وأكدت أن إجمالي الكتل السكنية التي تقدم المسلحون عبرها، لا تتجاوز 20%.
وتزامن الخرق الجديد للمسلحين في المنشية مع استهدافهم لعدة مناطق سكنية داخل الحي بعدد من القذائف الصاروخية، إضافة إلى قصف حي السحاري المجاور شمالاً، وأحياء عدة واقعة تحت سيطرة الجيش في المدينة.
مصدر ميداني لفت إلى أن عمليات الجيش مستمرة داخل الحي، وسط مشاركة مهمة للطائرات الحربية خلال ساعات النهار، قبل أن تنكفئ في فترة ما بعد ظهر أمس بفعل عوامل الطقس.
وذكر المصدر أن الجيش تمكن من تدمير عتاد ثقيل يعود إلى المسلحين، إضافة إلى قتل عشرات من المهاجمين منذ بدء هجومهم على الحي المشرف على خطوط إمداد المسلحين عبر الحدود الأردنية.
المصدر الميداني قلّل من أهمية الخرق، ورأى أن القوات السورية قادرة خلال ساعات الصباح على استئناف تحرك وحدات المشاة، بتغطية سلاح الجو والمدفعية، بهدف تثبيت نقاط ترمي إلى إعادة التمركز في المحور المشتعل، ورفض فكرة خسارة النقاط الجديدة بشكل نهائي، إذ إن ذلك يعني تصعيداً خطيراً على سياق عمليات الجيش العسكرية، على الجبهة الجنوبية لمدينة درعا. وذلك في ضوء الحديث عن مصالحات قابلة للإنجاز في ريف درعا الجنوبي، قد تؤدي إلى خسارة المسلحين مناطق مهمة قريبة من الحدود الأردنية.