تصاعدت الحملة الجوية الروسية ضد «هيئة تحرير الشام» في إدلب، بالتوازي مع اللقاءات الدبلوماسية والعسكرية الرفيعة المستوى، التي أجراها المسؤولون الروس والإيرانيون والأتراك خلال الأيام القليلة الماضية. وتجتمع تلك التطورات لترجّح تصدر منطقة إدلب واجهة المشهد السوري مجدداً، مع اقتراب موعد تنفيذ إجراءات اتفاق «تخفيف التصعيد» الموقع في جولة محادثات أستانا الأخيرة.
فبعد إعلان وزارة الدفاع الروسية استهداف طائراتها زعيم «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني، مع عدد من قيادات «الهيئة»، عادت لتكشف أمس، عن استهدافها أحد أكبر مخازن الذخيرة والسلاح لدى «الهيئة» في محيط مطار أبو الضهور في إدلب. وتوحي تلك الاستهدافات «الدقيقة» المبنية على معلومات استخبارية دقيقة (على حد وصف الوزارة)، ربطاً مع إشارة وزير الخارجية سيرغي لافروف، إلى استعداد بلاده لدعم فصائل المعارضة المسلحة في جهودها ضد «جبهة النصرة»، بأن مرحلة إزاحة الأخيرة عن المشهد في إدلب قد بدأت. ويتطابق ما شهدته المنطقة مع تصريحات مصادر معارضة مقربة من الجانب التركي قبل أيام، أوضحت أن إزاحة «النصرة» سوف تكون بداية عبر «جهود استخبارية تتضمن اغتيالات وعمليات قنص».

يتطلع حلفاء واشنطن إلى «ثغرة» تتيح تحركهم من التنف نحو البوكمال


وبينما ينتظر أن تبدأ الفعالية العسكرية التركية المرتقبة في منطقة إدلب، لتحدد شكلاً ومساراً واضحاً لما سيجري العمل عليه هناك بالتنسيق مع الجانبين الروسي والإيراني، تزداد سخونة المشهد في المنطقة الشرقية. فبينما أصبح الجيش على بعد 5 كيلومترات عن مدينة الميادين شرقي دير الزور، ووصل إلى ضفة نهر الفرات الجنوبي مقابل بلدة شحيل، ما زالت الاشتباكات مستمرة في محيط الطريق بين تدمر ودير الزور. وبعدما ثبت الجيش نقاطه على طريق دير الزور ــ الميادين أول من أمس، تمكن من التقدم بين بلدتي بقرص فوقاني وبقرص تحتاني، وصولاً إلى ضفة الفرات، ليعزل بذلك جيباً جديداً لتنظيم «داعش» في المنطقة المحيطة ببلدتي البوليل ومو حسن. وتشير كثافة الضربات التي استهدفت مواقع التنظيم على أطراف مدينة الميادين ــ بمشاركة من غواصات روسية أطلقت عدداً من صواريخ «كاليبر» من شرق المتوسط ــ إلى أن الجيش لن يتأخر في التحرك صوب المدينة، وتوسيع المنطقة التي يسيطر عليها على طول ضفة النهر. ويتخذ التقدم الأخير للجيش أهمية خاصة تأتي من كونه وضعه على أحد أقوى معاقل التنظيم في الشرق (حالياً)، ولكونه يتيح الفرصة لعبور جديد نحو الضفة الشرقية للنهر، بما يضمن الخطوة الأولى لاستعادة حقل عمر النفطي والحقول المجاورة له، والتي تعد من أهم حقول النفط في سوريا من حيث حجم إنتاجها.
وعلى عكس جبهة الميادين، يحاول الجيش تقليص الخروقات التي أحدثها «داعش» في نقاط محددة من محيط طريق السخنة ــ دير الزور. وبينما نجحت القوات في حماية المواقع المحيطة ببلدة الشولا من الهجمات، تمكن التنظيم من تعزيز وجوده على الطريق بين السخنة ومفرق بلدة الطيبة، وتحديداً في محيط جبل ضاحك الشرقي بين حقل غاز نجيب وتلة الكراد. وأتاح له هذا التقدم التحرك على محورين، غرباً باتجاه جبل الضاحك شمال السخنة، وشمالاً نحو بلدة الطيبة. ومع المواقع الجديدة التي دخلها «داعش» شمال البلدة، أصبح الضعط على القوات داخلها من 3 محاور، في ضوء استمرار هجمات «داعش» على التلال المحيطة فيها من الجنوب في محيط حقل الهيل.
وفي ضوء الاتهامات الروسية لواشنطن بمساعدة «داعش» على تنفيذ الهجوم الأخير، انطلاقاً من مناطق وجود قواتها في منطقة التنف قرب مثلث الحدود مع الأردن والعراق، بدت لافتةً أمس، عودة «قوات مغاوير الثورة» المدعومة أميركياً، إلى الحديث عن استعدادها لمحاربة «داعش» في منطقة البادية. وذهب العديد من مسؤولي الفصيل، إلى التأكيد أن مقاتليه سوف يكونون مستعدين لقتال «داعش» في حال تقدم الأخير إلى منطقة الوعر (قرب الحدود العراقية) على حساب الجيش السوري وحلفائه. وبصرف النظر عن واقعية تحقق هذا الافتراض، فإن أي تحرك مماثل قد يعيد إحياء الخطط الأميركية للتقدم نحو البوكمال، انطلاقاً من التنف. وهي خطط أجهضها مسبقاً، تمركز قوات الجيش وحلفائها شمال منطقة الزقف، على طول الحدود. ومن المؤكد أن ضغط «داعش» المستمر على محيط محطة «T3» وبلدة السخنة، من شأنه زيادة الضغط على الجيش في حميمة ومحيطها، بشكل يزيد من فرص تحقق سيناريو «المغاوير» المفترض. غير أن تقدم الجيش السريع شرقاً على طول وادي الفرات، قد يفرغ أي تحرك أميركي من الجنوب، من مضمونه.
وفي موازاة ما يشهده الشرق، عادت وزارة الدفاع الروسية لتؤكد إصابة زعيم «هيئة تحرير الشام» الجولاني، ودخوله في «غيبوبة» جراء الإصابة. ولفتت إلى أن الغارات استهدفت أيضاً اجتماعاً لعدد من «الجهاديين» وقتلت «49 مقاتلاً، بينهم سبعة من قادة (الهيئة)». وبينما تكثف موسكو نشاطها العسكري في منطقة إدلب، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن قوات من جيش بلاده سوف تدخل إلى منطقة إدلب. كذلك، أكد الناطق باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، أن الأيام المقبلة سوف تشهد «خطوات ملموسة» في تطبيق اتفاق «تخفيف التصعيد»، بعد لقاءات تركية ــ روسية ــ إيرانية، ضمّت مسؤولين عسكريين ودبلوماسيين وأمنيين.
(الأخبار)