انتهت العمليات العسكرية داخل مدينة البوكمال، وأُعلنت محرّرةً رسمياً. لم يعد يسيطر «داعش» على أي مدينة سورية، وبقيت بلدات وادي الفرات الأوسط ملاذه الأخير. ورأت دمشق في بيان الجيش الرسمي حول تحرير المدينة أنه «إعلان لسقوط مشروع (داعش) في المنطقة»، وسيشكل «منطلقاً للقضاء على ما بقي من التنظيمات الإرهابية بمختلف مسمياتها على امتداد مساحة الوطن».
الرسالة الواضحة التي يحملها البيان هي أن «الحرب ضد الإرهاب» لم تنته بعد، بالنسبة إلى الدولة السورية وحلفائها، خاصة بوجود جبهات كثيرة مشتعلة في الميدان، وغياب الاستقرار في مناطق «تخفيف التصعيد» التي خُلقت في محادثات أستانا. وهذا يتسق والتأكيداتِ التي قالها الرئيس السوري بشار الأسد لزوّاره (قبل أيام) حول طبيعة المعارك المقبلة.
العامل الأهم في معركة البوكمال الأخيرة كان توحيد الجبهة بين سوريا والعراق، وهو أمر ساهم بنحو رئيسي في نجاح العملية العسكرية. ومن المرجح أن يستمر التنسيق بفاعلية للحفاظ على المكتسبات الميدانية الأخيرة، لضمان استعادة السيطرة على باقي بلدات وادي الفرات، حيث يتمركز «داعش» في شريط بلدات محاذٍ للنهر بين جنوب الميادين وشمال البوكمال. وتبلغ المسافة الفاصلة بين مواقع الجيش الأخيرة في قاعدة الحمدان الجوية (مطار احتياطي) قرب البوكمال؛ ومواقعه في بادية القورية الجنوبية، نحو 65 كيلومتراً. وينتظر أن تكون تلك المنطقة محور عمليات الجيش وحلفائه، المرتقبة خلال وقت قصير.
ولا يعني سقوط معقل «داعش» الأخير، عجزه عن شن هجمات مضادة على مواقع الجيش وحلفائه في دير الزور، غير أن تلك الهجمات لن تتيح له مكاسب مستدامة تفضي إلى استعادة قوته ونفوذه.

قالت أنقرة إنها «تلجأ
إلى كافة الوسائل قبل
الخيار العسكري» في إدلب
وهذه الحقيقة ستتيح لدمشق توجيه اهتمامها العسكري إلى مناطق أخرى، قد تتحول إلى أولوية قريباً. وقد يكون ريف حماة الشمالي الشرقي وريف حلب الجنوبي، مسرحاً لتصعيد الجهد العسكري. إذ تترافق عمليات الجيش في محيط ناحية الرهجان، مع توتر في أرياف إدلب بين «هيئة تحرير الشام» و«حركة نور الدين زنكي»، بعد أيام على إعلان «حكومة الإنقاذ» المنبثقة من مبادرة «الإدارة المدنية» التي طرحتها تركيا لتغطية نفوذ «تحرير الشام» في إدلب ومحيطها. التوتر ارتفع فجر الأربعاء الماضي، بعد هجوم «تحرير الشام» على أحد مقارّ «الزنكي» في بلدة دير حسان في ريف إدلب الشمالي، وسيطرتها عليه. وذلك بعد اتهامات من قبل «الزنكي» طاولت «تحرير الشام»، واتهمتها بـ«طرد عناصرها وسلب سلاحهم» في قرية رتيان، في ريف حلب.
ومع انتشار تعزيزات من الطرفين في عدة بلدات في ريف إدلب رافقتها مناوشات خفيفة واعتقالات متبادلة، دعا كل من «فيلق الشام» و«أحرار الشام»، الطرفين إلى «التقاضي» ووقف الاشتباكات. وطرحت «أحرار الشام» مبادرة على «تحرير الشام»، تنصّ على أن «تكفّ (الأخيرة) عن بغيها»، وتطلق سراح جميع المعتقلين من كل الأطراف والفصائل، إلى جانب مطالبتها بـ«ردّ حقوق جميع الأطراف التي تم البغي عليها، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الاقتتال». وهو تلميح إلى المكاسب التي حققتها «تحرير الشام» خلال حملتها الأخيرة على «أحرار الشام» في إدلب، وخاصة معبر باب الهوى. ودعت المبادرة إلى «صياغة ميثاق مشترك، ينظم عمل الفصائل»، قبل تشكيل «غرفة عمليات عسكرية مشتركة»، في حال نجاح المبادرة.
وفي سياق متصل، قال وزير الدفاع التركي نور الدين جانيكلي، أمس، إنّ هدف بلاده في إدلب، هو «إحلال السلام والاستقرار»، مشدداً على أن «أنقرة تلجأ إلى كافة الوسائل قبل الخيار العسكري» لتحقيق هذا الهدف. وأوضح أنّ إنشاء 12 نقطة مراقبة داخل إدلب، وفق «اتفاق أستانا»، سيمهد الطريق للخطوات المقبلة ضمن هذا السياق، مضيفاً أنه جرى الانتهاء من نقطتين ويجري العمل على الثالثة. ولفت إلى أن «وحدات حماية الشعب» الكردية استعملت أسلحة مضادة للدبابات قدمها «التحالف الدولي» والولايات المتحدة الأميركية لها، ضد قوات بلاده، مشيراً إلى أن الأسلحة المقدمة إليها «تكفي لتسليح جيش قوامه بين 20 و25 ألف شخص». وشدد على أن أنقرة ستستخدم كل السبل في «القضاء على العناصر الإرهابية»، وهو «حق تمنحها إياه القوانين الدولية».
وعلى صعيد آخر، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن احتمال إيجاد حل مبكر في سوريا، قد بات ممكناً بفضل محادثات أستانا. ومن جهتها، أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا، أن بلادها تعمل بالتنسيق مع الحكومة السورية والأمم المتحدة وغيرها من الشركاء الدوليين من أجل عقد مؤتمر «الحوار الوطني» السوري.
(الأخبار)