تشهد المناطق الواقعة على الأطراف الشرقية في محافظة إدلب، والملاصقة لريف حلب الجنوبي، تكراراً للسيناريوات التي جرت في ريف إدلب الجنوبي الشرقي حين وصل الجيش السوري إلى أعتاب مطار أبو الضهور. فقد انطلق هجوم معاكس لعدد من الفصائل التي تقودها «هيئة تحرير الشام» بهدف وقف تقدم الجيش ومحاولة استعادة السيطرة على القرى والمناطق التي حررها، غرب أبو الضهور. التحرك جاء بعدما وصل الجيش إلى بُعد نحو 13 كيلومتراً عن طريق حلب ــ دمشق الدولي، بعد أيام على استهداف دورية استطلاع تركية في محيط العيس من قبل الجيش وحلفائه.
وتركّز على محور شمال غرب أبو الضهور، وتحديداً بلدات رأس العين ومحيط تل سلطان. ودعت أمس «هيئة تحرير الشام» جميع الفصائل العاملة في إدلب ومحيطها إلى الانضمام إلى العملية العسكرية.
وكما واجه تقدم الجيش سابقاً، غرب سكة حديد الحجاز (غرب بلدة أبو دالي في عطشان ومحيطها) هجمات معاكسة من قبل الفصائل المسلحة المدعومة من أنقرة، تقود «تحرير الشام» هذا الهجوم في المواقع التي تقع غرب السكة نفسها، في ريف إدلب الشرقي. وجاء إسقاط القاذفة الروسية بصاروخ موجّه (محمول على الكتف) في هذه المرحلة من العمليات، ليذكّر بإسقاط طائرة حربية سورية في آخر أيام العام الماضي (26 كانون الأول) بصاروخ مشابه، بالتوازي حينها وانطلاق العمليات العسكرية للسيطرة على أبو دالي ومنها نحو سنجار فأبو الضهور.

تبدو تركيا مقبلة على
توسيع دورها «المراقب» إلى محيط طريق حلب ــ دمشق

يومها اعتبرت موسكو، كما الآن، أن استخدام هذا الصاروخ هو دليل على استمرار الدعم للمجموعات المسلحة من قبل دول منخرطة في الميدان السوري، فيما قرأته أطراف أخرى كدلالة رفض تركيّ لمسار عمليات الجيش السوري وحلفائه. ومن اللافت أن العمليات ترافقت مع تصريحات للمتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، أوضح فيها أن عملية إنشاء 12 نقطة لمراقبة اتفاق «تخفيض التصعيد» في منطقة إدلب ومحيطها «واجهت بعض الخلافات وسوء الاتصال في مرحلة ما، ولكن تم تجاوز ذلك الآن»، وهو ما قد يشير إلى أن تركيا قد تمضي في عمليات نشر المراقبين في النقاط المحيطة بطريق حلب دمشق الدولي خلال الفترة المقبلة. وأكد قالن في السياق نفسه: «سنعمل على إتمام تشكيل تلك النقاط في أقرب وقت ممكن، حتى نتمكن من تأمين منطقة إدلب، بالطريقة التي ناقشناها وقررناها في لقاء أستانا الأخير».
وفي موازاة الاشتباكات شرق الطريق الدولي حلب ــ دمشق، نشّط الجيش عملياته على أطراف الجيب المحاصر بين محيط منطقة السعن وشرق بلدة سنجار، والذي يمتدّ على أجزاء من أرياف حلب وحماة وإدلب. وتمكن الجيش من السيطرة على ثلاث قرى تابعة لريف حماة، وهي الجديدة وأم حريزة وسميرية، في وقت تركزت فيه العمليات على المنطقة المحصورة بين الحمراء والسعن. وتشير المعطيات الميدانية إلى أن الجيش سيعمل على تكثبف العمليات على تلك الجبهة لخنق مسلحي «داعش» ضمن هذا الجيب وتجنب هجماتهم على نقاط الجيش الممتدة بين شرق أبو دالي وجنوب شرق مطار أبو الضهور.
وبينما تبدو تركيا مقبلة على توسيع دورها «المراقب» نحو عمق منطقة «تخفيض التصعيد»، وتحديداً شرق إدلب وجنوب غرب حلب، تعرض الجيش التركي خلال اليومين الماضيين لخسارة في صفوفه هي الأكبر منذ بداية عدوانه على منطقة عفرين. إذ أفادت مصادر إعلامية تركية عن مقتل عسكريين وجرح خمسة آخرين أمس، خلال العمليات العسكرية ضد «وحدات حماية الشعب» الكردية. وجاء ذلك بعد يوم واحد على مقتل ثمانية عسكريين أتراك، بينهم خمسة قتلوا في هجوم واحد استهدف دبابة في شمال عفرين، بالتوازي مع مقتل 3 جنود، بينهم اثنان في المعارك الدائرة ضد «الوحدات» الكردية، وآخر في اشتباك خلال هجوم في محافظة كلّس الحدودية التركية.
وبالتوازي مع وعود الرئيس التركي رجب طيب أرودغان، بالكشف عن «تفاصيل مهمة» حول الصاروخ الذي استهدف دبابة الجنود الخمسة في عفرين، هددت بلاده مجدداً بتوسيع عملياتها العسكرية إلى منطقة منبج، وحتى إلى شرق نهر الفرات. وقال نائب رئيس الوزراء، بكر بوزداغ، في تصريح لشبكة «سي ان ان ــ تورك» إنه «إذا لم ينسحبوا (وحدات حماية الشعب) من منبج فسنذهب إلى هناك، وسنتحرك شرق الفرات». وأكد في الوقت نفسه أن بلاده لا تريد مواجهة مع القوات الأميركية الموجودة في الشمال السوري، مضيفاً القول: «لكن الولايات المتحدة يجب أن تتفهم حساسيات تركيا. إذا ارتدى جنود أميركيون بزات الإرهابيين أو كانوا بينهم في حال وقوع هجوم ضد الجيش (التركي)، فلن تكون هناك أي فرصة للتمييز».
وبعد تشنّج في المواقف بين باريس وأنقرة على خلفية عملية «غصن الزيتون»، أعلنت فرنسا أنها ستعمل مع تركيا في الأسابيع المقبلة على إعداد «خريطة طريق دبلوماسية» من أجل وضع حد للنزاع في سوريا. وأتى الإعلان بعد محادثة هاتفية أجراها الرئيس إيمانويل ماكرون، مع نظيره التركي أردوغان، أول من أمس، تباحثا خلالها حول العملية العسكرية التي تشنها تركيا في عفرين. وأفادت وكالة «الأناضول» بأن أردوغان سعى إلى طمأنة ماكرون إلى أن بلاده غير طامعة في احتلال أراض سورية. وأوضح بيان من الرئاسة الفرنسية أن «الرئيسين اتفقا على العمل من أجل إعداد خريطة طريق دبلوماسية... وبناءً عليه، فإن المحادثات بين فرنسا وتركيا ستتكثف في الأيام المقبلة».
(الأخبار)