لم تمنع معرفة الولايات المتحدة بوجود «مجموعة فاغنر» العسكرية الخاصة الروسية ضمن قوة مشتركة، تضم الفيلق الخامس من الجيش السوري ولواء الباقر المؤلف من أبناء عشيرة البقارة، وتتقدّم نحو حقل عمر النفطي ومنشأة كونوكو، من الإقدامِ على استهدافها بقصف عنيف جوي وبري استمر لأكثر من ثلاث ساعات.
سبق القصف عملية استطلاع واسعة بالطيران، ما سمح للأميركيين بتحديد هوية الجهات المتقدمة، بما فيها تلك الروسية، ولم يثنِهم ذلك عن استهدافها جميعها. وهو يأتي بعد مهاجمة قاعدة حميميم من قبل طائرة مسيرة «مجهولة الهوية» وإسقاط طائرة روسية بصاروخ لم تنشر تفاصيل عنه وتحوم الشكوك حول الهوية الفعلية للجهة التي أطلقته على الرغم من تبني «هيئة تحرير الشام» للعملية.
تشير هذه التطورات إلى تزايد متدرج، ولكن مطَّرد، في حدة المواجهة الأميركية ــ الروسية على الأرض السورية، والتي تبلغ مع عملية القصف الأخيرة مستوى جديداً.
عدة حروب تحت سقف الحرب الواحدة تُخاض اليوم في سوريا، والوضع يشتدُّ تعقيداً وتشابكاً. فبالإضافة إلى المعركة الدائرة بين الدولة السورية وحلفائها من جهة، وبين فصائل المعارضة ورعاتها الإقليميين والدوليين من جهة أخرى، تتصاعد صراعات لها حيثيتها ومنطقها الخاص، وتتداخل فيها هي الأخرى الأبعاد المحلية بتلك الإقليمية والدولية، بموازاة ارتباطها بالمعركة الأصلية. ففي ظلال المذكورة، تدور مواجهات متفاوتة الاحتدام بين إسرائيل والولايات المتحدة ومحور المقاومة، وبين تركيا ووحدات حماية الشعب الكردية، وبين روسيا والولايات المتحدة.
لم يشتبك الجيشان الروسي والأميركي حتى الآن رسمياً، وبشكل مباشر، في سوريا، أو في أية بقعة أخرى من العالم، وربما لن يشتبكا، لكنهما يتواجهان من خلال حلفاء ظرفيين أو ثابتين ومن خلال المجموعات الرديفة أو ما يسمى المجموعات العسكرية الخاصة. هذه المجموعات الملتبسة الهوية، والمناسبة جداً للطبيعة الهجينة المستجدة للحرب، كثُر الاعتماد عليها في العقدين الماضيين، من قبل الجيش الأميركي قبل الآخرين. فقد ساهمت شركات «بلاك ووتر» و«كاستر باتلز» وعدد كبير غيرها من الشركات المتعاقدة مع الجيش الأميركي، في احتلال العراق والتنكيل بالشعب العراقي والحرب على المقاومة.
روسيا بدورها، باتت تلجأ إلى خدمات المجموعات العسكرية الخاصة، وأبرزها «مجموعة فاغنر». ومع أن هذه المجموعة متعاقدة، وتعمل مع جيوش أخرى غير الجيش الروسي، كالجيش السوداني مثلاً، فإنّ جلّ عملياتها في خارج روسيا، تجري بالتنسيق مع جيشها، باعتبارها قوة رديفة له، أكان الأمر في أوكرانيا أم في سوريا. وليس سراً أنّ علاقة خاصة تجمع مؤسسها، ديمتري أوتكين، العقيد والقائد السابق للواء في الوحدات الخاصة للاستخبارات العسكرية الروسية، بالرئيس فلاديمير بوتين وفريقه.
منذ بداية التدخل الروسي في سوريا، شاركت المجموعة، التي يُقدَّر عدد مقاتليها في سوريا بنحو سبعة آلاف عند مطلع العام الحالي، إلى جانب الجيشين الروسي والسوري في المعارك البارزة في تدمر وريف حماه ودير الزور وفي معارك شمالي شرقي سوريا. عناصر المجموعة من العسكريين السابقين، ويتضمن تسليحها، بالإضافة إلى الأسلحة الخفيفة على أنواعها، دبابات من طراز «T72» ومدرعات وراجمات صواريخ ورشاشات ثقيلة وتتولى وسائل النقل العسكرية الروسية الجوية والبحرية إيصال المقاتلين والأعتدة إلى سوريا.
حاول المسؤولون الأميركيون التقليل من خطورة القصف الجوي الأميركي لقوات روسية رديفة وتداعياته على الساحة السورية/ ولكن خبراء عسكريين، مثل جوزيف تريفيثيك، رأوا أنها بداية لحرب منخفضة التوتر بين روسيا والولايات المتحدة. «روسيا، برأي تريفيثيك، اتخذت قرارها باستخدام القوات الرديفة كأسلوب قليل المخاطر لتحدي التصميم الأميركي، وهو تطوّر مقلق يُنذِر بالمزيد من المناوشات في المستقبل بين الطرفين، خاصة في منطقة دير الزور. ويبدو أن هدف القوات المشتركة المتقدمة كان السيطرة على حقول النفط والغاز الموجودة في منطقة انتشار قوات سوريا الديموقراطية».
طبعاً، لا يشير الخبير إلى أن الولايات المتحدة تستخدم من جهتها «قوات سوريا الديموقراطية» كقوة رديفة تحتل حقول النفط والغاز لتأمين الموارد لمشروع إقامة كيان تحت سيطرتها في شرق الفرات، يسمح بتغطية تموضعها العسكري المرشح للتزايد في الفترة المقبلة نظراً للتطورات الجيواستراتيجية في المنطقة والعالم. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، اتهمها بالسعي للبقاء إلى الأبد في سوريا، ولا شك في أنّ هذا البقاء مشروط بنجاح مشروع التقسيم الفعلي مهما كانت مسمياته ومسوغاته، وبالسيطرة على حقول النفط والغاز. لذلك، سيتصاعد الصراع على هذه الحقول.