حملت الأيام القليلة الماضية تغييرات كثيرة في واقع غوطة دمشق الشرقية، كان أبرزها خروج آلاف المدنيين من «الجيب الجنوبي»، من منطقة كانت تشهد تصعيداً عسكرياً واسعاً، هي بلدة حمورية. ويعكس الخروج غير المنظّم للمدنيين رغبة لديهم في تجنّب معارك مقبلة قد تشهدها بلداتهم، في ضوء فشل الفصائل العاملة هناك (وأبرزها «فيلق الرحمن»)، حتى أمس (الجمعة)، في محاكاة مسار «الجيب الشمالي»، الذي يقود «جيش الإسلام» فيه محادثات أفضت إلى تسهيل إجلاء مصابين ومرضى ودخول مساعدات إنسانية إلى دوما، إذ بقيت الخطوط المفتوحة بين دمشق وبلدات عربين ومحيطها مقتصرة على عدد من الوجهاء المحليين وشيوخ القبائل الذين عملوا على إقناع معارفهم بأفضلية الخروج على البقاء ضمن الجيب المحاصر. وبدا بيان قيادة الجيش السوري أمس، الذي أوجز ما تم تحقيقه على الأرض بالسيطرة على 70 في المئة من مساحة المناطق التي كانت تسيطر عليها الفصائل المسلحة، إعلاناً لانتهاء مرحلة من العمليات في الغوطة، يمهّد لجولة جديدة، سوف تجمع بين المعارك والمفاوضات. وتكرّس هذا التوجه عبر انتشار وحدات شرطية تابعة لوزارة الداخلية في عدد من البلدات التي سبق أن استعاد الجيش السيطرة عليها، مثل النشابية، كمرحلة أولى من الإعداد لعودة مؤسسات الدولة إلى تلك المنطقة.وفي المقابل، تسعى الفصائل المسلحة إلى نقل مسار المفاوضات، الذي قد يبدو إجبارياً لها، إلى تحت المظلة الأممية والدولية. وهو توجّه بدأ منذ الرسالة المشتركة التي جمعت «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» مع مؤسسات «مدنية واجتماعية» تنشط في الغوطة، وأرسلت إلى أعضاء في وفود الدول الغربية لدى مجلس الأمن الدولي، والتي كانت تعلن التزام الفصائل بوقف إطلاق النار وموافقتها على إخراج «جبهة النصرة». ومجدداً عاد كل من «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» و«حركة أحرار الشام» إلى الإعلان عن القبول بالتفاوض مع الجانب الروسي، ولكن في جنيف، وتحت رعاية الأمم المتحدة. البيان المشترك الذي خرج أمس (الجمعة)، بالتزامن مع انعقاد جلسة خاصة بنقاش الملف السوري في مجلس الأمن، توافق مع محاولة غربية جديدة لتعويم «مبادرة إخراج النصرة»، ونقل مسار التفاوض والتسويات إلى جنيف، بعيداً عن التفرّد الروسي والأدوار الإقليمية المتفرقة، وتماشى مع دعوة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا إلى تعميم وقف إطلاق النار في دوما (الجيب الشمالي من الغوطة) على كامل المناطق التي ما زالت تشهد تصعيداً، وتأكيده أن الجانب الأممي «يقوم بتسيير اتصالات بين روسيا وجماعتي فيلق الرحمن وأحرار الشام، في الغوطة الشرقية، ولكن بلا نتيجة حتى الآن». وهو ما عبّر عنه المتحدث باسم «فيلق الرحمن»، وائل علوان، بالقول إن «ما يطلبه الروس من استسلام، عبر التفاوض الداخلي، هو أمر مرفوض».
أردوغان: منفتحون على عروض التعاون مع واشنطن حول منبج


الدعوات إلى تنصيب جنيف كمرجعية وحيدة لمسارات التفاوض، تأتي ضمن سياق طويل من الجهود الأميركية ــ الأوروبية المشتركة في وجه التفاهمات الروسية ــ التركية ــ الإيرانية التي أنتجت كلاً من «أستانا» و«سوتشي». وجاءت المحاولة الجديدة في مجلس الأمن بالتوازي مع انعقاد الاجتماع الوزاري للدول الثلاث «الضامنة» في العاصمة الكازاخية «أستانا»، حيث تم التأكيد على التوافقات السابقة، وعلى رأسها «تصفية جبهة النصرة»، والحفاظ على المكاسب التي تم تحقيقها من الاتفاقات الماضية. ومن على منبر «أستانا»، اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الدول الغربية بالعمل على «حماية الارهابيين... والحفاظ على قدراتهم العسكرية»، وذلك في مواجهة انتقادات أميركية ــ بريطانية ــ روسية للدور الروسي في ملف الغوطة الشرقية، ترافق مع تلويح رئيس الأركان الفرنسي فرنسوا لوكوانتر بـ«قدرة» قوات بلاده على التحرك «منفردة» في حال تم تجاوز «الخط الأحمر» الذي حدده الرئيس إيمانويل ماكرون، وهو «الاستخدام المؤكد» للأسلحة الكيميائية، مضيفاً أنه في حال حصل ذلك، فإنه «سيتم بالتنسيق مع الأميركيين، بلا شك». وترافق هذا التهديد الجديد مع تحذير لافت وجّهته وزارة الخارجية الفرنسية إلى الصحافيين من السفر إلى سوريا. ورأت المتحدثة باسم وزارة الخارجية أن موجب القرار هو «تصاعد العنف في سوريا، لا سيما في الغوطة الشرقية ومنطقة عفرين».
وبينما ينتظر ما ستحمله الأسابيع المقبلة التي تسبق «قمة اسطنبول» الرئاسية، الروسية ــ الإيرانية ــ التركية، وتطورات الغوطة الشرقية، جدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التأكيد على أن تعاون بلاده مع واشنطن هو رهن سحب «وحدات حماية الشعب» من شرق نهر الفرات، مضيفاً أن أنقرة لا تزال منفتحة على عروض التعاون في ما يتعلق بمدينة منبج، مع الإشارة إلى أن نهج وزير الخارجية الأميركي الجديد مايك بومبيو، في هذا الشأن، لا يزال غير معلوم. وأتى ذلك في وقت نقلت فيه وكالة «الأناضول» التركية عن مسؤول أميركي وصفته بالرفيع قوله إن من المخطط عقد لقاء مع الجانب التركي في 21 آذار الجاري، بدل اللقاء الذي كان مقرراً في 19 من الشهر نفسه بين وزيري خارجية البلدين. وأوضح المسؤول أن اللقاء الجديد قد لا يكون على مستوى الوزراء، مضيفاً أن «الولايات المتحدة ترغب في استمرار عمل اللجان الفنية المشكّلة». وفي سياق متصل، قال المتحدث باسم هيئة الأركان العامة الأميركية، كينث ماكينزي، إن قوات بلاده أرسلت تعزيزات إلى عدد من الجبهات بعد انتقال أعداد من المقاتلين الذين يعملون مع «قوات سوريا الديموقراطية» إلى عفرين.