يتأثر مراسل إحدى المحطات المحلية أثناء استقبال حافلة للمختطفين المحررين لدى «جيش الإسلام». يبكي، فيتأثر معه ملايين السوريين المنتظرين أمام الشاشات النهاية السعيدة لمسلسل القهر اليومي. التهليل الإعلامي للحدث الإنساني وتوجيه الرأي العام نحو الفرح المرحلي بالقيام بالعملية العسكرية لتحرير المختطفين، حمّل الملف مثاليات لا طاقة لأحد بها، ما أوحى أن «لا دموع بعد اليوم». وكما المتوقع، فإن السعادة لم تكتمل. الجبل تمخّض عن 165 مدنياً فقط خرجوا من سجون «جيش الإسلام»، معظمهم من مختطفي عدرا العمالية، بعد أن كان آلاف المختطفين في دوما، وفق جميع المصادر خلال المفاوضات القائمة، بوساطة روسية. توجّه الأهالي إلى صالة الفيحاء في دمشق، فاستقبل ذوو الخارجين من جحيم السجون أبناءهم، فيما بقيت عائلات أُخرى تتفرج وتنتظر، إلى أن سئمت الانتظار، فدعت وسائل الإعلام إلى تغطية اعتصام لها عند جسر فيكتوريا وسط العاصمة دمشق، للاحتجاج على إخراج مسلحي تنظيم «جيش الإسلام» من غير الكشف عن مصير أبنائهم المغيّبين. لم تلبّ معظم وسائل الإعلام الدعوة، ومن لبّى الدعوة نال حصته من سخط المتجمهرين ومحاكمتهم. ولم يجد الأهالي الساخطون من يستمع إليهم، سوى مراسل لقناة محلية، مارس دوراً غير دوره، في تهدئة الأهالي ووعدهم بعودة أبنائهم، في مشهد سوريالي قد لا يحصل إلا على شاشة سورية. وسرعان ما استنفرت العائلات المنتظرة في صالة الفيحاء وبدأت تفقد صبرها بحضور كاميرات المحطات المحلية. وجاء الحل بقطع البث المباشر والانتقال إلى جلسة مجلس الأمن.لم يأبه السوريون، هذه المرة، للجلسة الأممية، ولا للضربة الأميركية المتوقعة. لديهم فاجعتهم التي تشغلهم تماماً، عن ضربات اعتادوها وسئموا التهديد بها. لم ينم الدمشقيون الذين أمضوا لحظات عصيبة، شاركهم وجعها أبناء الساحل ومدن أُخرى انتظرت أبناءها بلا جدوى. لتستفيق البلاد أمس على غضب شعبي مجنون يطالب الدولة بالتوضيح. المعتصمون صبّوا جام غضبهم على وزارة المصالحة ممثلة بشخص وزيرها علي حيدر، الذي أكد في تصريح إذاعي توثيق الوزارة لـ5 آلاف مختطف، غير أن الرقم المذكور، بحسب تصريح حيدر، ليس الرقم الذي حصلت الوزارة عليه من داخل دوما، إذ إن الرقم النهائي متعلق بخروج آخر المختطفين من دوما، لافتاً إلى عدم وجود لوائح كاملة تدل على مصير المخطوفين، وأن الموضوع قيد المعالجة. بقيت الأسئلة تطرح من قبل المعتصمين بلا أية إجابات شافية: هل جرى خداع الدولة بالمفاوضات؟ أم أن الدولة خدعت مواطنيها وباعتهم أملاً كاذباً؟ أم أن الملف في يد الحليف الروسي الذي أراد طيّ صفحة الغوطة الشرقية سياسياً، متجاهلاً التفاصيل الإنسانية الناتجة من الملف؟ دخول فرق من عمال ولجان الطبابة الشرعية السورية إلى دوما، مساء أمس، تحت حماية روسية، قد يحسم الأمر.
استفاقت البلاد أمس على غضب شعبي يطالب الدولة بالتوضيح


من جهة ثانية، بثّ وسطاء مدنيون، أو من يسمون أنفسهم «لجان المصالحة المحلية»، عبر صفحات «فايسبوكية»، أخباراً عن استبعادهم من التعاطي والتفاوض في ملف مختطفي دوما، مقابل ترك المهمة لمركز المصالحات الروسي. وعلى الرغم من كون الملف أكبر من وزارة المصالحة نفسها وصلاحياتها، غير أن التصريحات الإعلامية لمسؤولي المصالحة على امتداد السنوات السابقة تشير إلى ما مجموعه 5 آلاف مختطف على الأقل لدى الفصائل المسلحة في غوطة دمشق، ما أضعف أكثر موقف الوزارة. وفيما روّجت وسائل إعلام معارضة لسقوط عدد من الأسرى لديهم ضحايا قصف الجيش على مناطق تمركز المسلحين، خلال الأيام الماضية من العملية العسكرية، فقد سوّق البعض لمعلومات متعلّقة ببيع المختطفين للفصائل المسلحة في إدلب، ما يعاكس معلومات أُخرى عن تهويل تنظيم «جيش الإسلام» أعداد الأسرى لديه، بهدف الحصول على مساعدات أممية مبالغ بها. فوضى في ضخ المعلومات يعانيها الشارع، حاول ضبطها جنود على الجبهات، أشاروا إلى تصفية المسلحين لمئات الأسرى لديهم قبل أيام، معتبرين أن استئناف الجيش لعمليته العسكرية على دوما وإيقاف التفاوض، جاءا على خلفية الحصول على معلومات تفيد بأن 165 فقط من المختطفين على قيد الحياة، وأنهم معرّضون لخطر التصفية. وبحسب شهادة أحد الجنود السوريين في الغوطة الشرقية، فإن تكرر عثور جنود الاقتحام على قطع خشبية أو حجرية في الأنفاق المكتشفة، وقد حفرت عليها أسماء الجنود المختطفين، يوحي بأعداد هائلة من المختطفين في الغوطة، الذين سخرتهم الفصائل المقاتلة في حفر الأنفاق، فتركوا خلفهم ما يدل على وجودهم. بعض من أهالي المخطوفين، ونقلاً عن مخطوفين محررين سابقاً، أجمعوا على وجود أعداد هائلة من المختطفين سلّمتهم «جبهة النصرة» إلى «جيش الإسلام» مطلع عام 2014، لافتين إلى أن احتمال وجود كثير منهم على قيد الحياة داخل دوما ما زال قائماً، رافضين تأكيد الأمر أو نفيه في انتظار توضيح الدولة السورية الأمر عبر مسؤوليها المعنيين.
في موازاة ذلك، يتواصل خروج مسلحي دوما في دفعتهم الرابعة، بلا أي بثّ مباشر، هذه المرة، وذلك عبر طريق حمص - سلمية، نحو مدينة جرابلس في ريف حلب، عبر معبر أبو الزندين، بما يتجاوز 2000 شخص، كحصيلة مبدئية عن عدد الخارجين يوم أمس. وفيما يقدّر عدد مسلحي «جيش الإسلام» بـ8 آلاف مقاتل، ينوون الخروج من المدينة، في مقابل 4 آلاف منهم ممن يرغبون بتسوية أوضاعهم والبقاء في دوما، ما يعني وفقاً لإحصائيات الحافلات الخارجة من الغوطة طوال الأيام الماضية، أن العملية لم تقترب من نهايتها. بناءً عليه، فإنّ إغلاق ملف المختطفين عبر الإعلام السوري الرسمي والمسؤولين السياسيين السوريين والروس، سيلقي بظلاله على شكل التسوية وتطبيقها، ولا سيما في ظل وجود بند متداول في الاتفاق، يقضي بالإبقاء على المسلحين في المنطقة، تحت حماية الشرطة العسكرية الروسية، بهدف الاطمئنان على تنفيذ الاتفاق. أمرٌ يعني أن المياه لن تعود إلى مجاريها في العاصمة السورية، من الناحية الاجتماعية حتى مرور وقت طويل، وسط إغلاق الملفات الإنسانية العالقة تعسفاً. وبسبب الإشراف الروسي المباشر على الملف، فإن الحصول على إحصائيات الخارجين لم يكن متوافراً، بل تجاوز عدد المسلحين الخارجين نصف عدد مسلحي التنظيم، فيما تجاوز عددهم مع عائلاتهم 10 آلاف، من أصل 40 ألفاً، وفق تقديرات إعلامية.