«الموت صار رفيقنا، وعصّات القبر تعودنا عليها، من شو بدنا نخاف لسّة؟». بهذا يجيب سائق سيارة الأجرة الخمسينيّ لدى سؤاله عن رأيه في التهديدات الأميركيّة المتصاعدة بشنّ عدوان جديد على سوريا. لا يرى السائق (أبو غفار) جدوى من الخوض في هذا الحديث، وينصحنا بدلاً من ذلك بـ«الكتابة عن أهالي هالمخطوفين اللّي انكسرت خواطرهن». يبدو الرجل محقّاً إلى حدّ كبير، ففي مدينته، اللاذقيّة، ما زال حديث المخطوفين هو حديث السّاعة بلا منازع. في أحد مقاهي المدينة يدور حديث عن آخر مستجدّات العدوان المحتمل بين مجموعة من الرجال الملتفّين حول طاولة. تراوح الآراء بين التفاؤل المُفرط بأنّ الأمر لا يعدو كونه «حكي بحكي»، وبين الحذر المشوب بتشاؤم خفيف من «جنون (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب». يعرض أحد المتفائلين رهاناً «بتشارط إنو ما رح يصير شي؟ من عشا لعشا»، فيجيب الحذر: «لأ ما بشارط، لأنو ممكن ما يصير اليوم ولا بكرة ولا اللي بعدو، بس ما بظن تنبلع معهن (في إشارة إلى المحور الغربي) قصة الغوطة ببساطة، ولا بدّ ما يجربوا يعملوا شي». في دورة الحياة اليومية للمدينة لا يُلحظ تغيّر لافت، الحركة النهاريّة في الشوارع والطرقات ضمن حدودها المألوفة، والنشاط في الأسواق كذلك. نطرح السؤال نفسه على تسعة باعة لتسعة أصناف مختلفة من المواد الغذائية: «هل لاحظت شراء الناس كميات كبيرة بغية التخزين استعداداً لحدوث عدوان ما؟»، فيؤكد الجميع (كلّ على حدة) عدم حصول شيء من هذا القبيل. فيما ينفرد بائع الخُضر (أبو إسماعيل) بالقول: «لك عمي حتى لو كانت الناس خايفة، ما عندها قدرة تشتري شي وتخزنو، عايشين كل يوم بيومه». في السابعة من مساء أمس الأربعاء، كان الازدحام المعهود عن حيّ «الأميركان» في مثل هذا الوقت على حاله: حركة كثيفة للمارّة، ولا سيّما شريحة الشباب، روّاد المطاعم والمقاهي المنتشرة في الحيّ بدأوا بالتّوافد، والمحال التجاريّة مفتوحة مع حركة بيع وشراء خفيفة. ولم يشذّ ازدحام السيّارات عند «دوّار الزراعة» وفي المشروع السابع وسوق التجّار عن المألوف.
دمشق: «السهرة وين»؟
في دمشق لا يختلف الوضع كثيراً عن نظيره في اللاذقيّة. ثمّة شريحة كبيرة من الشارع الدمشقي تبدو أصلاً وكأنّها لم تسمع باحتمالات العدوان الأميركي، ولا حتى بالعدوان الإسرائيلي الذي وقع قبل أيّام. هناك شريحة ثانية وصلتها أنباء التهديدات، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر وسائل الإعلام التقليديّة، من دون أن يؤثر ذلك في سلوكها، أو دورة حياتها اليوميّة. أما الشريحة الثالثة، وهي الأصغر حجماً، فتأخذ التهديد على محمل الجد، وتنهمك في محاولات فهم ما يمكن أن يحدث. ومع حلول مساء أمس، بات انتشار حديث العدوان المحتمل أكبر، من دون أن يخرج الأمر عن إطار الكلام والنقاشات هنا وهناك حول التوقعات والاحتمالات الواردة. حركة الناس في الشوارع استمرّت طبيعيّة، بما في ذلك المقاهي والمطاعم والحياة الليلية وأماكن السهر التي تكثر في بعض الأحياء، ولم يُلحظ جنوح الناس نحو تخزين السّلع أو أي سلوك «احتياطي» مشابه.

حلب: «شوط خاي شوط»
جرياً على عادة أبناء حلب، استمرّت نهاراتهم الماضية شديدة الحيويّة. الطلّاب في مدارسهم، الرجال في أعمالهم، والنساء بين وظائفهنّ وجولات التسوّق اليوميّة. ورغم أن الحلبيين كانوا مشهورين في السنوات الخوالي بالحرص على تخزين المؤن بسبب ومن دونه، اختلفت الحال افي الأعوام الأخيرة بسبب انخفاض القوة الشرائيّة، وبات تأمين الاحتياجات الضروريّة هو الهم الأوّل. لم تغيّر أنباء العدوان المحتمل التي وصلت إلى جزء من أبناء المدينة المتعبَة شيئاً على هذا الصّعيد، ولم يبدُ أنّ الأسواق شهدت أي حركة غير طبيعيّة. من شرفة منزلها تنادي أم أحمد ابنها أنس (13 عاماً)، طالبةً منه وأصدقاءه التوقف عن لعب كرة القدم، والعودة إلى المنازل «لك عبقولو أميركا بجوز تضربنا، روحو ع بيوتكن حاج (يكفي) شوارع». يضحك أنس وأصدقاؤه، يعلّق إبراهيم (15 عاماً) مازحاً: «ما تاكلي هم خالة، كل شوي عم نطلع ع السّما، بس شفنا أميركا جاي تضرب الحارة منتخبّى بمدخل البناية»، ثم يلتفت إلى إكمال المباراة الحامية الوطيس «شوط خاي شوط».