لم ترَ الصحف الأميركية التي علّقت على الهجوم الأميركي الأخير على سوريا، تأثيراً كبيراً للهجوم الثلاثي الذي استهدف مؤسسات سورية فجر أمس. طرحت بعض الصحف سؤالاً عن الجدوى وماهية الدور الأميركي في الصراع السوري مستقبلاً، كما تساءلت عن «الثمن الباهظ» الذي تعهّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن سوريا وحلفاءها سوف يدفعونه.
«المهمة أُنجزت»
علقت صحيفة «واشنطن بوست» على تغريدة ترامب التي تلت الضربة العسكرية والتي قال فيها إن «المهمة أُنجزت»، مقارنةً بينها وبين الجملة التي ظهرت خلف الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش عام 2003، بعد سقوط الرئيس العراقي صدام حسين. هذه الجملة أصبحت تحمل رمزية في التاريخ الأميركي الحديث وهي، بحسب مجلة «نيويورك تايمز» باتت كناية عن الحسابات الخاطئة.
هذه الجملة، بحسب الصحيفة، يتجنّبها السياسيون منذ أيام بوش الابن، وهي تثير تساؤلاً أساسياً أبعد من الضربة الأخيرة: «ما هي تحديداً المهمة؟». وأضافت أنه خلال عهد ترامب، كانت المهمة هزيمة «داعش» والانسحاب من سوريا لاحقاً. لكن العملية الأخيرة وخطاب ترامب المتلفز الذي تلاها، أظهرا أن المهمة أكثر تعقيداً. ترامب وعد بحملة متواصلة لإيقاف النظام السوري عن استخدام الأسلحة الكيميائية، ما جعله يبدو مثل أوباما، ليست بحوزته إجابات سهلة.
تنقل الصحيفة الأميركية عن خبراء في سياسات الشرق الأوسط، قولهم إن الضربة كانت محدودة وبرغم ذلك وجّهت رسالةً، من دون المزيد من الانخراط في الحرب، «كما أنها قللت من خطر استفزاز روسيا وإيران وجرّهما للانتقام».
لكن الضربة كذلك، تركت الستاتيكو كما هو في الميدان، والضربة لم تقم بالكثير لإضعاف الأسد، وهي لم تقم بشيء لتوضح ما هو «الثمن الباهظ» الذي تحدث ترامب عنه في تغريدة قبل أيام من تنفيذها.
أما «نيويوركر»، فقد رأت أنّ عبارة «المهمة أُنجزت» هي «تبجّح خطير»، «فبعدما أعلن بوش ذلك في 2003، بقيت القوات الأميركية في العراق لثماني سنوات لاحقة، وأسفرت عن مقتل أكثر من أربعة آلاف أميركي، وحتى بعد الانسحاب عام 2011، عادت الولايات المتحدة عام 2014 لقتال داعش. اليوم نحن لا نزال هناك».

تناقضات ترامب
بالنسبة إلى صحيفة «واشنطن بوست»، تبدو مقاربة ترامب لسوريا تسير بمبدأ: افعل عكس ما فعله سلفُك. الصحيفة أشارت إلى تناقضات داخلية في مقاربة ترامب للصراع السوري.
الشهر الماضي، «صدم» ترامب معاونيه، حين أعلن من أوهايو أن القوات الأميركية سنتسحب «قريباً» من سوريا. وبحسب الصحيفة، حين ضغط عليه مساعدوه لوضع إطار زمني لهذا الانسحاب، قال ترامب إنه يريد من القوات أن تنسحب خلال 48 ساعة. لكن مسؤولاً بارزاً في الإدارة، أسرّ للصحيفة بأنّ مساعدي ترامب في شؤون الأمن القومي نجحوا في إقناعه خلال الأيام التي تلت، بخطة للانسحاب خلال أربعة إلى ستة أشهر.
وتلفت الصحيفة إلى أنه حتى الهجمات المزعومة للأسد وغضب ترامب بشأنها، لم تغيّر شيئاً في رؤية الرئيس إزاء المصالح الأميركية في سوريا.
ملاحظات ترامب تعكس رؤيةً حول كيف يجب على أميركا أن تحارب، وهي رؤية تختلف دراماتيكياً عن رؤية الكثير من جنرالاته الذين ضغطوا لإبقاء القوات الأميركية في أماكن مثل سوريا والعراق وأفغانستان بغية «بناء» تلك المجتمعات.
لكن الرئيس الحالي، كسلفِه أوباما، قرر بوضوح أن الولايات المتحدة لديها مصالح قليلة في سوريا، وقدرة قليلة على إيقاف هذه الحرب الطويلة التي يبدو أن نظام الأسد وروسيا وايران، يكسبونها حالياً.
تقول «ذي واشنطن بوست» إن ترامب يراهن على أن «الاستعراضات المؤقتة للقوة الأميركية، على شكل صواريخ وطائرات مقاتلة، يمكنها أن تُقنع الأسد وداعميه بعدم استخدام الأسلحة الكيميائية (...) ولكن المشكلة في سوريا هي أنه في كل مرة يُتّهم الأسد فيها باستخدام الأسلحة الكيميائية، على ترامب أن يُظهر قوة أكبر أو يخاطر بالظهور بمظهر العاجز. ومع ارتفاع حجم الهجمات، ترتفع احتمالات المواجهة العسكرية الأميركية مع روسيا أو إيران».

ومع ارتفاع حجم الهجمات، ترتفع احتمالات المواجهة العسكرية الأميركية مع روسيا أو إيران



ردٌّ تكتيكي
رأت الصحيفة نفسها أن رسم خط أحمر مرتبط فقط باستخدام الأسلحة الكيميائية يجزّئ هذه القضية ويعزلها عن الصراع السوري بنطاقه الواسع، الأمر الذي يعطي النظام السوري ضوءاً أخضر لمتابعة تدمير المجموعات المعارضة.
وذكرت الصحيفة لتأكيد وجهة نظرها أن القاعدة الجوية التي استهدفها البنتاغون تابعت عملياتها بعد وقت قصير من الهجوم. بدورها، اعتبرت «نيويوركر» أن الضربة كانت ردّاً تكتيكياً فاقداً لاستراتيجية طويلة المدى لمساعدة إعادة الاستقرار إلى سوريا.
ونقلت الصحيفة عن سفير سابق في سوريا، راين كروكر، قوله إن الصواريخ في الحقيقة لم تحقق شيئاً، مؤكِّداً أنه كان من الأفضل «ألا نضرب كلياً». من جهته، قال الضابط السابق، فريد هوف للصحيفة إن الهجمات لن تغير واقع المعارك على الأرض أو تزيح زعماء النظام. السفير الذي عمل على قضايا الشرق الأوسط في عهد ريغان وبوش وأوباما، أكد أن ما يلي هو المهم، قاصداً بذلك المتابعة الدبلوماسية لهذا الهجوم، «ومن دون هذه المتابعة لن تعني هذه الضربة شيئاً، ستكون مجرد حركة فارغة، مثلما حصل قبل سنة». الصحيفة أشارت إلى أنه بالنظر إلى التوتر لدى القوى الأساسية بعد هذه الضربة، تبدو الدبلوماسية أكثر ابتعاداً الآن.

ذروة الحرب الباردة
قالت مجلة «فورين بوليسي» إن الحرب الباردة التي عادت بين روسيا والولايات المتحدة عام 2014، تعززت منذ ذلك الحين، ووصلت ليل الجمعة (فجر السبت بتوقيت دمشق) إلى ذروتها مع الضربات الأميركية التي وعد ترامب روسيا بها.
وأوضحت الصحيفة أن «الحرب الباردة» هذه المرة مختلفة بشكل كبير عن المواجهة الجارية اليوم بين واشنطن وموسكو، فاليوم «ليس هناك تناسب أو توازن أو احترام بين الأطراف، كما أنه ليس هناك خوف من حرب نووية أخيرة، وهو ما يحمل تأثيراً عكسياً، لأنه يجعل الانزلاق أسهل إلى نقطة اللاعودة».
كما أنه بعكس الحرب الباردة التي كانت بمعظمها حرباً بالوكالة، المواجهة الجديدة هي انخراط مباشر أكبر. ففي مجال المعلومات والاقتصاد والأموال كما في المجال الإلكتروني، تقول الصحيفة، إن القتال الروسي ـ الأميركي قد أصبح مباشراً بالفعل. أما على المستوى العسكري، فهذه هي المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، التي يقاتل فيها الأميركيون الروس في الدولة نفسها، ولكن أهدافهما واستراتيجيتيهما الآن مختلفة بشكل كبير.
سلسلة الضربات التي قادتها الولايات المتحدة (وفرنسا وبريطانيا) أخيراً قد تؤدي بالعلاقات الغربية - الروسية إلى نقطة منخفضة جديدة، كما أشارت الصحيفة إلى تحذير الجنرال فاليري غيراسيموف، رئيس الأركان العامة الروسية، الذي قوبل بالتجاهل. ذلك التحذير رسم تماماً سيناريو هجمة كيميائية في معقل المعارضة، والذي قد يقدم ذريعة لضربات أميركية قوية ضد القيادة السورية في دمشق. في حينه، قال غيراسيموف إن الجيش الروسي في المنطقة قد يردّ على ذلك عبر اعتراض الصواريخ وإطلاق النار على المنصات التي أطلقتها.