واشنطن | دفع تزايد الانتقادات داخل الولايات المتحدة للطريقة التي نفّذت بها الإدارة الأميركية عدوانها بمشاركة بريطانية وفرنسية، الرئيس دونالد ترامب إلى الدفاع عن قراره وإعلانه أن «المهمة أنجزت». وقال في تغريدة، أمس: «لقد نفذت الغارة السورية على أكمل وجه، بهذه الدقة، إن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تتخلى عنها وسائل الإعلام المزيف هي استخدامي لمصطلح المهمة التي أنجزت... كنت أعلم أنهم سيغتنمون ذلك، لكنهم شعروا بأنه مصطلح عسكري عظيم، يجب إعادته. استخدمه كثيراً!».
كيف اتُّخذ قرار العدوان
ترامب الذي يخلط ما بين التغريدات والمشاورات مع كبار مساعديه لاتخاذ القرار، كان قد عقد النية على شن العدوان، وقد ساعدت بعض الإجراءات القانونية التي اتخذت ضد رجاله، وخاصة محاميه الخاص مايكل كوهين والاتهامات التي وجهها إليه المدير السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي، في إثارته للقيام بعمل عسكري ضد سوريا. غير أن المشكلة في ذلك هي الكيفية التي سيجري فيها إخراج سيناريو العدوان. وفي هذا الشأن قال مسؤولون أميركيون إنّ «من الواضح أن المناقشات مع فرنسا وبريطانيا لم تركز على المواقع التي سيستهدفها الهجوم بقدر ما ركزت على كيفية القيام بذلك».
وطبقاً لتقارير عديدة، فقد حضر ترامب جلسات إحاطة متعددة يومياً في البيت الأبيض، وشارك في معظم الاجتماعات التي عقدت في غرفة العمليات. وقد أبلغ كبار مساعديه يوم الاثنين الماضي بضرورة القيام بعمل عسكري سريع ضد سوريا على ما وصفه بالهجوم الفظيع في دوما. وفي اليوم التالي، تحدث مع كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، وبحث مسؤولون من الدول الثلاث حدود المشاركة وماذا سيكون شكل الهجوم المحتمل.
وعلى غرار تحالف الراغبين الذي قاده جورج بوش الابن ضد العراق في عام 2003، فإن ترامب سعى إلى منح عدوانه غطاءً دولياً بضم فرنسا وبريطانيا.
وبقيت المناقشات مستمرة في البيت الأبيض بشأن كيفية التعامل مع سوريا، إلى أن تعرض مكتب محامي الرئيس مايكل كوهين لعملية تفتيش قام بها الـ«إف بي آي»، واعتبره ترامب هجوماً شخصياً عليه مدفوعاً من المحقق الخاص روبرت مولر الذي يقود التحقيقات بشأن التدخّل الروسي في انتخابات الرئاسة.
وزاد الطين بلة، صدور كتاب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي. وقد أدى ذلك إلى حالة من الارتباك لدى ترامب الذي سارع على الفور يوم الأربعاء الماضي إلى نشر تدوينة على «تويتر» يهدد فيها روسيا ويدعوها إلى الاستعداد لأن الصواريخ «ستأتي جميلة وجديدة وذكية». وبعد تلقيه انتقادات لكشفه السريع عن استراتيجيته، غرّد يوم الخميس بعدم الإشارة إلى توقيت هجوم الصواريخ قائلاً: «يمكن أن يكون هذا قريباً جداً أو ليس قريباً جداً»!
ويقول مسؤولون أميركيون إن ترامب اتخذ قرار العدوان يوم الخميس الماضي، ونزولاً عند رأي ماتيس الذي كان مضطراً إلى تلبية رغبة رئيسه، حُدِّدَت أهداف العدوان بقصره على عدد محدود من المواقع، بهدف تجنّب «الأضرار الجانبية» والمواقع التي يوجد فيها الروس. وعزا ماتيس رأيه إلى أن توسيع رقعة العدوان ونتيجة لوجود عديد الأطراف في سوريا قد يخرج الأمر عن نطاق السيطرة.
ومنذ يوم الخميس الماضي أبقت إدارة ترامب على إخفاء قرار العدوان إلى حد كبير. إذ توقفت التغريدات وأبلغ مسؤولو البيت الأبيض الصحفيين أن ترامب سيقضي ليلة الجمعة في فندقه في واشنطن إلى أن ألقى خطابه المتلفز نحو التاسعة ليلاً من يوم الجمعة الماضي، معلناً بدء الهجوم على سوريا... وليحتفل في اليوم التالي بإنجاز المهمة.
اثار استخدام ترامب عبارة «المهمة المنجزة»، ردود فعل وانتقادات واسعة، خاصة أن تلك العبارة اكتسبت سمعة سيئة بعد أن ألقى الرئيس السابق جورج بوش الابن خطابه عام 2003 لإعلان انتهاء العمليات القتالية الرئيسية في العراق مع لافتة كبيرة خلفه تحمل تلك العبارة. وعلى الرغم من ذلك الإعلان، لا يزال الجيش الأميركي متورطاً في العراق حتى الآن. تغريدة ترامب بإنجاز المهمة جاءت قبل أن يعلن جنرالات البنتاغون عن تقييمهم لنتائج العدوان وتأثيره على القدرات السورية، وقد اقتصروا في إعلانهم على أن العدوان كان ناجحاً، وأنهم ما زالوا يقومون بتقييم مفصّل لفعالية الهجمات. غير أن المتحدثة باسم وزارة الدفاع، دانا وايتت، دافعت عن تغريدة ترامب يوم السبت، وقالت: «لقد ضربنا جميع أهدافنا. لقد كانت مهمة ناجحة».
العضو الديمقراطي في مجلس النواب الأميركي، جيرولد نادلر، أعاد إلى الأذهان تغريدة قديمة لترامب في عام 2013 انتقد فيها سلفه باراك أوباما لعزمه على شن عدوان على سوريا من دون موافقة الكونغرس. وعلى الرغم من أن نادلر أعرب عن اتفاقه مع ترامب على ضرورة تدمير قدرات سوريا الكيميائية، إلا أنه قال إن الرئيس يحتاج إلى موافقة الكونغرس لإتمام مثل هذا الإجراء.
العضو الديمقراطي في مجلس النواب، جاريد هوفمان، هاجم هو الآخر قرار قصف سوريا، قائلاً إن ترامب «لا يحق له استخدام الحرب لصرف انتباه الجمهور عن القصص والفضائح التي تدور حول نفسه في واشنطن».
على صعيد آخر، أجرت شبكة التلفزيون الأميركية «إن بي سي» وصحيفة «وول ستريت جورنال» استطلاعاً للرأي يظهر تقدّم الديمقراطيين على الجمهوريين بسبع نقاط في الانتخابات النصفية التي ستجري في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، إذ أعرب 47 في المئة من المشاركين عن تأييدهم الديمقراطيين، ويظهر الاستطلاع تقدم الديمقراطيين على الجمهوريين بـ21 نقطة في أوساط الأميركيين الأكثر اهتماماً بالمشاركة في الانتخابات.