يعجز السوريون الذي واجهوا على أرضهم دولاً كبرى، عن مواجهة غضب السماء، المتمثل بالعواصف والأمطار المتأخرة هذا العام. هؤلاء الذين يواجهون الحرب وأهوالها يومياً، يضيفون إلى قائمة ما يواجهونه مسؤولين حكوميين غير معنيين بنكباتهم، كما لو أنهم مسؤولون عن بلد آخر، شوارعه «تتفوق على شوارع جنيف»، كما شبكات صرفه الصحي. أمطار الربيع القاسي انصبّت على رؤوس أهل العاصمة قبل أيام، لتليها أمطار غزيرة هطلت على الساحل السوري، خلال اليومين الماضيين. غير أن الفرق كبير بين أضرار الطرق والسيارات وتأثر بعض المباني بالسيول، وبين إبادة محاصيل كاملة لقرى القدموس، في ريف طرطوس. سيول المنطقة جرفت في طريقها محصول التبغ بكامله، ما أضاع مردود الموسم لعائلات تعتبره دخلها السنوي الوحيد. محاصيل أخرى كالزيتون والعنب أيضاً، لاقت مصيراً مشابهاً، ما يعني أن أياماً من الجوع والمأساة تنتظر مزارعي المنطقة. وإذ يقال في مثل هذه المحن عبارات المجاملة من قبيل: «بالمال... ولا بالعيال»، فإن أهالي المنطقة لا مال لديهم، ولم يبقَ لديهم «عيال». يختصر أحد أبناء القدموس الحال بقوله: «يتذكرون هذه المنطقة فقط عند سحب أبنائها إلى الدفاع عن الوطن». في قرية صغيرة مثل بدَوقة وحدها مثلاً يمكن إحصاء 45 شهيداً. لا يغيب الرقم الفجّ عن أذهان الأهالي، ويضاف إلى عشرات جرحى الحرب والمخطوفين، والكثير من أبنائها المنتشرين على الجبهات. وأن يبقى أهالي هؤلاء في قريتهم، مناضلين في سبيل لقمة العيش بشرف، فإن ذلك لا يشفع لهم عند مسؤولين لم يزوروا المنطقة أصلاً للاطلاع على مأساتها الأخيرة، على رغم كثرة المعنيين بالكارثة الزراعية الكبيرة، من مسؤولي المحافظة والبلدية ونواب البرلمان ووزارة الزراعة أو أي من مديرياتها، إضافة إلى المديرية العامة للتبغ، التي تحتكر شراء محاصيل التبغ من الفلاحين. واللافت أن التعويض الحكومي العام الفائت، جاء بما يعادل 2500 ليرة للدونم الواحد، ما أحبط آمال الأهالي هذا العام أيضاً. كثير منهم مضوا إلى «الوحدات الإرشادية» الزراعية، وتقدموا بطلبات للتعويض، آملين أن ينوبهم جزء يسير من غلّة الموسم الذي انتهى قبل أن يبدأ.
كل من يرغب أن يعرف الأضرار ليأتِ بنفسه ويتفرج

وعلى رغم تقدير أضرار بعض الأراضي بنسبة تصل إلى 90 في المئة وفق وعود موظفي «الوحدات الإرشادية»، فإن تفاؤل الأهالي معدوم، إذ يقول أحدهم: «البلدية لم تأتِ لفتح الطرقات المتضررة، فماذا نتوقع من المحافظة في طرطوس، أو من الوزارة في العاصمة!». وفي ظل وجود «صندوق التعويض» في وزارة الزراعة، تحضر التساؤلات حول موقف مسؤوليها من نكبة المزارعين الأخيرة. الحكومة السورية في اجتماعها المعتاد، بعد ظهر أمس، شكّلت لجان إحصاء لحصر أضرار المحاصيل الزراعية في سوريا، ووضع آلية «مناسبة» لتعويض الفلاحين. محمد حسين الذي يشغل مركز رئيس الجمعية الفلاحية في إحدى القرى المتضررة، يعجز عن حصر الخسائر بالأرقام فيقول: «ما ضل عنا شي... شجر كما هو جرفته السيول، وحبات البرَد قضت على كل المواسم». وعن الزيارات الحكومية للمتضررين، يشير إلى زيارة إحدى لجان الزراعة الشهر الفائت للمنطقة، عندما تضرر المحصول جزئياً، جراء عواصف سابقة. بينما يسخر عدد من الأهالي من تلك الجولة على بعض القرى المتضررة، التي اختتمت بمجرد انتهاء تصوير المسؤولين. من جانبه يعلّق محمد حسن، المدرّس وصاحب إحدى الأراضي المتضررة، أن ما جرى لا يصدّق، مجيباً على كل سؤال عن هول الكارثة، بالقول: «كل من يرغب أن يعرف الأضرار، ليأتِ بنفسه ويتفرج». ويلفت الرجل إلى أن خسائر مزارعي التبغ وحدهم تتراوح بين 400 ألف ليرة لدى أصحاب الأراضي التي لا تتجاوز 5 دونمات، فيما تصل أضرار أصحاب الأراضي الكبيرة إلى مليوني ليرة، هي مجمل دخلهم السنوي الوحيد. واللافت أن تشاؤم أهالي الساحل السوري كبير، حيال تعامل المعنيين مع الهطولات المطرية المتأخرة، فيما كان يمكن الاستفادة منها في تخزين المياه للصيف المقبل. يعقّب أحد المزارعين على ذلك بالقول: «لا أظنهم متنبّهين إلى ذلك. إن كانوا نائمين في العسل أمام مصابنا الحالي، فهل سيفكرون في درء مشاكل الأعوام المقبلة؟».