حلب | تتشابه التطورات العسكرية في سوريا مع ما جرى في العراق بعد الاحتلال الأميركي، واتساع نطاق المقاومة ضده. احتضان «المهاجرين» القادمين لـ«نصرة الشعب» انقلب بعد فترة إلى نبذ وقتل وملاحقة، لكن الأمر لم يصل إلى حد حمل السلاح مع الجيش السوري، كما فعلت «صحوات العراق» بحملها السلاح مع الجيش الأميركي. فـ«صحوات سوريا»، كما يقول مصدر مقرّب من «الدولة»، «تطوّعت للقتال نيابة عن الأميركيين والنصيريين والرافضة وآل سعود». وأشار إلى ما وصفه بـ«التزامن المريب» بين العملية التي شنّها الجيش العراقي ضد «الدولة» في الأنبار، «وتغيير موقف العشائر (الصحوات) الفوري وانضمامها إليه وطعن المجاهدين في ظهورهم».
وأكدت مصادر «الدولة» أنّ الأسابيع الأخيرة شهدت إعداداً استخبارياً حثيثاً لـ«نحر مشروع الدولة الإسلامية الوليدة في المهد، بعد أن ظهر أنها قوة واعدة تمكنت من توحيد كلمة المجاهدين وتطهير صفوفهم من عملاء الاستخبارات وتحرير مناطق كبيرة». وقالت المصادر إنّ «داعش أوقفت العشرات. هذا صحيح، ولكن لماذا؟ هؤلاء خليط من متعاملين مع استخبارات خارجية للتجسس على المجاهدين بستار صحافة وإغاثة ومنظمات مجتمع مدني».
«الدولة» التي كانت تتابع، بقلق، لقاءات متزعمي الجماعات الإسلامية المنافسة مع الاستخبارات الأميركية، بثّت سلسلة من الاعترافات هي الأولى من نوعها. فقد أسهب صدام الجمل زعيم لواء «أحفاد الرسول» في دير الزور، في تسجيل مصوّر، في شرح علاقة قياديين في «الجيش الحر» وبعض الجماعات الإسلامية مع ضباط الاستخبارات الأجنبية.
الاعترافات التي شملت آخرين عملوا مع «رئاسة الأركان» التي يقودها سليم إدريس، أكدت حضور ضباط استخبارات من جنسيات مختلفة جلسات أشبه بجلسات «استجواب»، كثيراً ما كانت تنتهي بوعد الدعم العسكري المفتوح الذي يجري تقديمه لاحقاً شرط ألا يصبّ لدى «الجهاديين»، ما أجبر بعض تلك الفصائل، وعلى رأسها «أحرار الشام»، على الاعتراف بلقاء السفير الأميركي روبرت فورد، وأنّ ذلك لم يكن موجهاً ضد أي فصيل أصولي.
وبحسب المصادر، فإنّ «اتصالات الدولة الاسلامية بالإخوة الذين التقوا الأميركيين عززت شكوكها. فهم ردّدوا لازمة واحدة، وهي أنه يجب استمرار الدعم الدولي لنا وإلا فسنصبح لقمة سائغة لجيش النظام، وهم ليسوا جمعية خيرية بل أعداء الإسلام ويجب التمكين في الشام فقط، لكي لا نتصادم مع القوى الكبرى فيسلمونا لـ(الرئيس السوري) بشار (الأسد)».

الشيشان قادمون

حوار هاتفي بين ضابط منشق في «الجبهة الإسلامية» وأمراء «داعش» حصل على أكثر من 15 ألف مشاهدة على موقع «يوتيوب» خلال ساعات، انتهى بشتائم وتكفير ووعيد بقدوم أرتال الدعم من دير الزور والرقة إلى حلب لسحق «كلاب الصحوات الكفار». وحان التنفيذ. فعمر الشيشاني، أبرز مقاتلي «القاعدة» ورأس حربة الجهاديين في أهم المعارك الرابحة ضد الجيش السوري، غادر الرقة إلى حلب على رأس تعزيزات ضخمة للقضاء على «الصحوات»، حسبما أكدت مواقع إلكترونية تابعة لـ«داعش».

تداعيات مخيفة

ويقول مصدر سوري مقرّب من «الدولة الاسلامية» لـ«الأخبار»: «إن سلوك السوريين مع المجاهدين المهاجرين يشبه سلوك العراقيين الذين احتضنوهم ثم غدروا بهم، فكان أن أسقط المجاهدون خطاً أحمر، وباتوا لا يخشون التفجيرات في المناطق السنيّة». ورأى المصدر أن كل التفجيرات الانتحارية تقريباً استهدفت مناطق وجود «النظام وشبيحته، أما اليوم فكل منطقة تخرج منها الدولة الإسلامية ستعتبر هدفاً».
وشهد اليوم الثاني للقتال بين الإسلاميين ستّ عمليات انتحارية، استهدفت حواجز ومراكز لـ«الجبهة الإسلامية» والفصائل الحليفة لها.
ووصف المصدر أعداء «الدولة» بأنهم «أدوات بيد أميركا والسعودية وقطر، حصلوا على دعم مباشر بالسلاح والمال لتصفية مشروع الدولة الاسلامية وللظهور بمظهر محاربة الإرهاب». وتساءل: «ماذا فعلت الدولة الإسلامية؟ لقد حاربت التشويل (السرقة) والخطف وأنقذت سمعة الجهاد من ممارسات الذين يحاربونها اليوم». ولا يخفي المصدر تخوف قيادات «داعش» من «سعي محموم لتشتيت المجاهدين غير السوريين، وهم الذين نفروا لمشروع الدولة الاسلامية واستيعابهم في الجماعات الأخرى، للاستفادة من دمهم وظيفياً في إسقاط النظام وتنصيب حكم عميل، لتكون السجون في انتظار من يبقى حياً منهم».

خسارة مواقع

ميدانياً، سجلت الأيام الثلاثة الأولى خسارة «داعش» مواقع حدودية مهمة في أطمة والأتارب وهزمت في منبج والشيخ سعيد داخل حلب. كذلك بات موقفها صعباً في مسكنة وحيان والريف الشمالي، وهي محاصرة في ريف إدلب الشمالي، إلا أن المصدر يؤكد أنّ «خصومنا لا يمكنهم الاستمرار في المعركة حتى النهاية المرسومة إقليمياً»، إذ يتوقع «صحوة مقابلة لدى المجاهدين العرب، لأن مشروع الجهاد في خطر شديد، كما أن عشرات المواقع ما زالت في قبضة الدولة».
وانتقد بشدة موقف «جبهة النصرة» التي وإن لم تشارك مباشرة في محاربة «داعش»، إلا أنّ دورها «هو خداع المجاهدين العرب واستيعابهم مجدداً فيها لخدمة أجندات استخبارية غير جهادية». واستشهد ببيان لإمارة «الجبهة» في القلمون، أكد أنّ «جبهة النصرة والدولة الإسلامية هما على منهج واحد وإن اختلفت السياسات»، وأن سياسة «الجبهة الشرعية متوازنة ومتوافقة مع حاجات المسلمين»، وأنها تعتبر «من يعتدي على أفراد الدولة الإسلامية ومقراتها في القلمون هدفاً مباشراً لها».