قد تكون إسرائيل أدخلت نفسها في تعقيدات أكبر من قدرتها على تحمّل تبعاتها، مما لم يكن حاضراً لديها على طاولة القرار، لدى الاعتداء على وحدات من «الحشد الشعبي» العراقي، بالقرب من الحدود العراقية ــ السورية. وقد تكون ارتقت درجة في مساعيها لفرض مصالحها مع أمل مبالغ فيه لجهة النتائج، لكن في الوقت نفسه يشير الاعتداء إلى فشل الرهان على الأفعال العدائية السابقة وتأكّد فسادها، وعلى الرهان أيضاً على الجهد والضغط الدبلوماسي في الدفع نحو فرض تفاهمات تفرض على محور المقاومة.الصمت الإسرائيلي، الرسمي والاعلامي حتى الآن، إن على صعيد التصريحات أو التعليقات، أو حتى التغطية الخبرية للاعتداء، يشير أكثر إلى مسؤولية إسرائيل وقرارها الاعتدائي. ويأتي ذلك في موازاة التأكيدات الأميركية حول هذه المسؤولية في سياق جهد واشنطن لإبعاد «التهمة» عنها منعاً لتداعياتها المباشرة عليها. كل ذلك، مع الإشارة والتشديد على طبيعة المسؤوليات المشتركة بين الجانب الإسرائيلي وراعيته أميركا، حيث لا انفكاك في المسؤولية عن الأفعال والاعتداءات التي تشنّها تل أبيب في المنطقة، وتحديداً في الساحة السورية.
في التحليل، لا بد من الإشارة إلى الآتي:
يعدّ الاعتداء ارتقاء درجة لجهة اتساع الرهانات، ضمن مستوى القرار الاسرائيلي، وإن كان من شأنه أن يجر إلى تداعيات لا يمكن التنبّؤ بها، حيث قرارها مرتبط بإرادة الرد ومستواه وتداعياته، لدى «الحشد» وفصائله. مع ذلك، ارتقاء الدرجة إسرائيلياً، يوسّع من دائرة المواجهة ويدخل أطرافاً فيها مع دفعها إلى قلب المعادلة في إطار هذه المواجهة، والتموضع هجومياً. لا يكفي الفعل العدائي لدفع المعتدى عليه، وهنا فصائل «الحشد»، كي تتسبب بتراجعها وانكفائها، بل قد يتسبب ذلك، وهو الأرجح، إلى التموضع الهجومي، وهو ما لا تقوى إسرائيل على تحمّل تبعاته.
الواضح أن السياسة الإسرائيلية المتبعة تجاه الساحة السورية، والخطوات العدائية التي عمدت إليها تل أبيب في الفترة الأخيرة بعد اتضاح فشل أهداف الحرب على سوريا، لم تُجدِ نفعاً لجهة تحقيق الغاية منها، سواء باستهداف الدولة السورية نفسها، أو الوجود الإيراني الحليف، أو وجود حزب الله العسكري الرديف للجيش السوري. هذا الفشل، دفع إسرائيل كما يبدو إلى الانزياح في استهدافها نحو الحلفاء، في محاولة منها لفرض حقائق ومعادلات من الصعب تلمّس إمكان تحقيق نتائجها فعلياً، رغم الخسارة الكبيرة التي لحقت بوحدات «الحشد»على الحدود مع سوريا.
يتعذّر على الضربة، رغم نتيجتها القاسية، أن تحقق الغاية المرجوة منها، ما لم تكن واحدة من سلسلة طويلة من الضربات، الأمر المتعذر أن تقدم عليه إسرائيل، نظرياً وعملياً، علماً بأن الغاية التي ذكرها الاعلام الأميركي من الاعتداء في قطع الممر البري بين العراق وسوريا على أعداء إسرائيل متعذرة طبيعياً، وليس فقط في ممانعة المحور المعادي لاسرائيل عن الانكفاء، بل أيضاً نتيجة الطبيعة الجغرافية ــ السياسية للحدود العراقية السورية، التي يتعذر معها فرض معادلات من النوع الذي تريده إسرائيل في قطع التواصل على جانبي الحدود.
المنازلة التي أرادتها تل أبيب مع توسع دائرة اعتدائها، تشير إلى أنها ترفض سحب نتيجة الحرب السورية والخسارة التي منيت بها وحلفاءها، على الحرب الثانية التي باشرت قيادتها والجانب الأميركي ضد الوجود العسكري المعادي لها في سوريا، في مرحلة ما بعد الحرب الاولى على الدولة السورية. حرب يراد من خلالها إن أمكن تقليص التداعيات السلبية لمرحلة ما بعد الخسارة في الأولى، في قتال السنوات الماضية.
الواضح أن نتيجة الحرب السورية، وما تبعها من نتائج سلبية مبنية على الخسارة فيها مع حلفائها، قاسية جداً وذات أبعاد استراتيجية تفوق ما تعلنه إسرائيل من تهديدات بالمآل في سوريا نتيجة الوجود الإيراني وحلفاء الدولة السورية، الأمر الذي يفسّر الإصرار الإسرائيلي على مواجهة هذه النتائج وفتح حروب من نوع جديد، رغم ادراكها أن تعقيداتها وتشعباتها أوسع من قدراتها الذاتية على تحمّل تبعاتها.
الواضح أيضاً، أن البيانات الصادرة عن فصائل «الحشد» المستهدفة بالاعتداء الإسرائيلي على الحدود مع سوريا، لا تترك مجالاً واسعاً للاجتهاد لجهة رد الفعل العراقي الذي بدا جلياً التوجه فيها للرد الذي قد لا يكون متناسباً حتى مع الاعتداء نفسه مهما كانت تبعاته، خاصة بعد تأكيد هذه الفصائل، وتحديداً كتائب حزب الله ــ العراق، أن من شأن الاعتداء التسبّب في إعادة فتح المواجهة مع الكيان الإسرائيلي والمشروع الأميركي في المنطقة، وفي ذلك رسالة واضحة جداً للإسرائيلي والأميركي، وإن عمد الأخير إلى «التملص» من المسؤولية ومحاولة إلقائها حصرياً على حليفه الإسرائيلي.