بعد «المصالحات» والاتفاقات التي تمّت في الجنوب السوري في المعركة الدائرة هناك، اليوم، والتي حيّدت عدداً من القرى في منطقة اللجاة، وسمحت للجيش بالانتشار بشكل أفضل والتقدم جنوباً، سرعان ما بدأت تتهاوى دفاعات المسلحين أمام تقدم الجيش السوري في القرى المحيطة، وخصوصاً في قرى الريف الشرقي لدرعا. وبعد دخول الجيش إلى المليحة الشرقية والغربية أمس وبسط السيطرة عليهما، استطاع اليوم السيطرة على مدينة الحراك وبلدة الصورة شمال شرقي مدينة درعا، وبذلك يصبح الجيش على أبواب بلدة رخم غربي مطار الثعلة العسكري. وقد سيطر أيضاً على بلدة علما شرقي خربة غزالة الواقعة شمالي درعا.
أمس، خرج أهالي بلدتي أبطع في الريف الشمالي لدرعا، والغارية الشرقية في الريف الشرقي، مطالبين الجيش السوري بالدخول الى البلدتين، وخروج المسلحين منهما. كان ردّ فعل المجموعات المسلحة، بحسب مصادر محلية، هو إطلاق النار على المتجمعين وتفريقهم بالقوة، ومحاولة الإيقاع بينهم وبين باقي أهالي البلدات التي لم تخرج بوجه المسلحين. وممّا عاد ليظهر مجدداً، كيف منع المسلحون أهالي المنطقة الجنوبية، في الفترات السابقة، من العودة إلى سلطة الدولة وجناحها. في الفترات التي سبقت العملية العسكرية الأخيرة، لم يكن يوفّر الجيش السوري فرصة لعقد «مصالحة» أو تسوية، مع المسلحين، لحقن الدماء والحد من المعارك إلا استغلها. وبهذا الاقتناع عمل الجيش السوري في الجنوب، ليس منذ أيام عندما بدأ معركة استعادة السيطرة على الجنوب فحسب، بل من قبل ذلك بفترة طويلة، إذ لطالما سعت القيادة السورية، بالتعاون مع مركز المصالحة الروسي، إلى العمل على عقد مصالحات في المنطقة الجنوبية، وقد نجح العديد من هذه المحاولات، بينما كانت الإرادة الخارجية، وخصوصاً الأردنية والإسرائيلية، بالإضافة إلى مواقف «جبهة النصرة» المتشدّدة في هذا الخصوص، تحول دون نجاح محاولات أخرى. وأحياناً، كان المسلّحون يلجؤون إلى قتل من يفاوض الروس أو القيادة السورية من أهالي وفعاليات البلدات الجنوبية.

في موازاة ذلك، اعتبرت وزارة الخارجية الروسية أن واشنطن فشلت في ضمان عمل نظام وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد جنوب سوريا. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في مؤتمر صحافي، إنه «على الرغم من الالتزامات التي تم تحمّلها، إلا أن شركاءنا فشلوا في ضمان عمل نظام وقف الأعمال القتالية من قبل المعارضة المسلحة، وكذلك مواصلة محاربة الجماعات المتطرفة». وأوضحت زاخاروفا أن «إرهابيي النصرة وداعش، الذين لم يتم القضاء عليهم، يستفيدون من انعدام السلطة في الأراضي غير الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، كما يقومون بتعزيز قدراتهم القتالية ويلجؤون إلى الاستفزاز. للأسف، لم تصبح منطقة خفض التصعيد الجنوبية استثناءً، والتي جرت إقامتها بموجب الاتفاقين بين روسيا والولايات المتحدة والأردن». كذلك، أشارت زاخاروفا إلى أن «الحديث يدور عن كل من داعش والنصرة والقاعدة والجهات الأخرى التي يعتبرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تنظيمات إرهابية». وبيّنت المتحدثة باسم الخارجية الروسية أنه «لم يتم تحقيق الهدف المتمثل بضمان الغياب الكامل للمسلحين في هذه المنطقة»، وأضافت: «يستمر حالياً انفصال جنوب غرب البلاد عن باقي أجزاء الجمهورية العربية السورية، بدلاً من إعادة الدمج التدريجي لهذه المنطقة في سائر الأراضي السورية ضمن الجهود الرامية إلى ضمان وحدة البلاد وسيادتها».

وفي سياق متصل، أعلنت الأمم المتحدة أنها أوقفت قوافلها الإنسانية التي تعبر الحدود الأردنية إلى درعا، جنوب سوريا، بسبب المعارك. وقال رئيس مجموعة الأمم المتحدة للعمل الإنساني في سوريا، يان إيغلاند، للصحافة في جنيف، إن «طريق الإمدادات من الحدود الأردنية، الذي كان شديد الفعالية، توقف بسبب المعارك في الأيام الأخيرة»، وإن «إرسال القوافل عبر الحدود متوقف منذ 26 حزيران». وكان الأردن، في وقت سابق، قد أعلن إغلاقه الحدود بوجه النازحين تماماً. وبالتوازي، «خرجت عشرات العائلات عبر الممرات الإنسانية التي فتحتها الجهات المعنية في درعا لتسهيل خروج المدنيين الفارين من مناطق انتشار الإرهابيين، حيث كان في استقبالهم عناصر من الجيش وقوى الأمن الداخلي والجهات المعنية الصحية والإغاثية»، بحسب ما أفادت وكالة «سانا» السورية الرسمية.