تبدو حكاية وانيس وميناس ليفونيان، الأرمنيّين السوريين من سكان حلب، غير قابلة للتصديق. قتلهما تنظيم «داعش»، وحرمت «الهيئة الشرعية» ذويهما إلقاء نظرة أخيرة على جثتيهما، ودفنهما. كان ابن حلب، وانيس ليفونيان، أو «أبو ميناس» كما يعرف، يمتلك معملاً صغيراً لتجميد المياه وتحويلها إلى ثلج. المعمل الواقع في منطقة الباب، في ريف حلب الشرقي، هو «جنى العمر» بالنسبة إلى الرجل البالغ من العمر 69 عاماً. منذ نحو أربعة أشهر، ومع وصول «الدولة الإسلامية في العراق والشام» إلى المنطقة، وُضعت اليد على المعمل الصغير.
لا يُمكن التّكهن بما دار في رأسَي وانيس وابنه ميناس (38 عاماً)، عندما قررا حمل روحيهما على أكفهما، والتوجه إلى المدينة الصناعية في الشيخ نجار. المؤكّد أنهما لم يكونا يتخيلان أنه سيكون آخر فعلٍ اختياري في حياتهما. وصل الأب وابنه إلى مقر «داعش»، وقصدا «قسم الغنائم»، في مسعىً لإيجاد صيغة تفاهمٍ مع «الأمير». لكنهما تحوّلا إلى غنيمة! بمجرّد أن اتّضح أنهما أرمنيان ألقيَ القبض عليهما. حاول الرجلان خلال شهور اعتقالهما الوصول إلى حلّ لقضيتهما، لكنّ «رجال دولة الإسلام» لم يعتادوا التهاون مع من يُخالفهم «العقيدة».
تتكوّن عائلة وانيس من زوجته، وابنتين، ووحيده ميناس الذي كان برفقته. وهذا الأخير كان قد تركَ خلفه زوجة وثلاثة أطفال، أكبرهم يبلغ من العمر 11 عاماً. حاولت الأسرة الصغيرة معرفة مصير الرجُلين بلا جدوى. بعد ثلاثة أشهر من اعتقال الرجلين، قدّم أحد «قضاة داعش الشرعيين» حلّاً لهما. قدّم أحد «قضاة داعش الشرعيين» حلّاً لهما. يقول ناشط كان معتقلاً مع الرجلين في سجون «داعش» لـ«الأخبار»: قال أبو عيسى لوانيس وميناس «أسلِما... تسلَما». وبطبيعة الحال سارعا إلى الموافقة، من دون تردّد أو تفكير. بعد نطق الشهادتين، أعيد «المسلمان الأرمنيان» إلى مُعتقلهما «مؤقتاً»، فقد وعدَهما «الشيخ أبو عيسى» بالإفراج عنهما قريباً. مضت ثلاثة أيام ولم يُنفّذ أبو عيسى وعدَه، فسأل ميناس أحد «المحققين» الذين يترددون إلى المُعتقل عن سبب التأخر في إطلاق سراحهما، وكان الجواب: «مولانا الأمير لم يقتنع بإسلامكما». فردّ ميناس: «كيف لم يقتنع، وقد أقسمنا يميناً؟»، فأجاب المحقق هازئاً: «أنتم أهل الكتاب إنجيلكم مُحرّف وأيمانكم باطلة، ولا شك في أنكما ادّعيتما الإسلام مُخادعةً لنا».
قبل وصول المعارك التي اندلعت بين «داعش» وباقي المجموعات المسلّحة إلى المُعتقل الذي كان وانيس وابنه فيه، جرت مناداة اسميهما مع أسماء مُعتقلين آخرين، دائماً بحسب المصدر. وحين تساءلا «إلى أين؟»، كان الجواب: «سنعرضكما على القاضي ليُفرَج عنكما». لكنّ القاضي كان عبارة عن مسدّس، وكان الحكم طلقتين استقرّتا في رأسيهما. إلا أن فصول المأساة لم تنتهِ بموتهما، بل دخلت فصلاً جديداً. إذ يروي أحد أفراد العائلة لـ«الأخبار»: «علمنا بمقتلهما عبر الإنترنت، كان الخبر مفجعاً». بحثت العائلة عن وسيلة للحصول على جثتي فقيديهما، «أردنا دفنهما كما يليق، وهل أقلُّ من هذا؟». بعد محاولات وجهود حثيثة، تمكّن متطوعو إحدى الجمعيّات الأهليّة من معرفة مكان الجثّتين، وكانتا في حوزة « الهيئة الشرعية في حلب». فطلبوا من «الهيئة» السماح بنقلهما، ليأتي الجواب الصّاعق: «هذا مستحيل، فقد أسلما، وهما الآن شهيدان. لا بدّ من دفنهما كما يليق، ووفقاً للشريعة الإسلاميّة»!