«تُغافل» القمامة مسؤولي البلديات ومجالس المحافظات السورية، في خضمّ انشغالهم بشؤونهم الانتخابية، لتتكوّم في زوايا الأحياء السكنية، بلا رقيب خدمي على أحوال الناس. كذلك ينشط أهل «البسطات»، الذي «يأخذون راحتهم» مساءً، بفضل انشغال دوريات المحافظة مع أعضاء المجالس، في تحضيراتهم لحملات «العرس الوطني» الوشيك. مشهد عبثي جديد يعيشه الشارع السوري اللامبالي بانتخابات «مجالس الإدارة المحلية»، إذ تشغل الناس تفاصيل معيشتهم، فيما الفساد يتغوّل بازدياد الحديث عن مكافحته! ابتسامات بشوش ترسمها صور معلقة على الجدران، بينما اختارت صورٌ أخرى مظهراً عابساً ومتجهّماً (لزوم «الوجاهة» ربّما) في حالة تجسّد التلوث البصري الذي تشكل مكافحته جزءاً من وظيفة أعضاء المجالس أنفسهم! وإذ تصير علاقة الاستغلال متبادلة، فجأة، بين المواطن والمسؤول في المواسم الانتخابية، يؤكد صبحي، صاحب إحدى «البسطات» أن «صديقه» عضو مجلس محافظة اللاذقية «ضحك كثيراً عندما عرف أن عملنا تحسّن أخيراً في ظل الفوضى الحاصلة». لا ينسَى الرجل الأربعيني أن يشير إلى وعود قطعها على نفسه بجمع أصوات زملائه وعائلته لانتخاب صديقه المُرشّح. بعض المرشحين تقبلوا التهاني فورَ ورود أسمائهم في قوائم «الوحدة الوطنية» التي تضمّ مرشحين من حزب البعث وأحزاب أخرى «متحالفة» معه. يعلّق جلال، الموظف الحكومي، على الأمر «ورود اسمك في القائمة السحرية يعني نجاحك في الانتخابات بناء على ما يسميه البعض: ثقة القيادة». يقترح الرجل استخدام تسمية «تعيينات» بدلاً من «انتخابات»، ويضيف: «رضى قيادة ما، يلزم لحصول توافق انتخابي وحفلة جديدة من المزايدات واللغة الخشبية في التخاطب الانتخابي». وعلى اعتبار أنّ نسبة 30% على الأكثر، هي كل ما تبقيه «قوائم الوحدة» للمرشحين المستقلين، فإن عملية التسابق بين الطامحين تستعر بغية إضافة أسمائهم إلى تلك القوائم، بدلاً من «النضال الانتخابي المستقل» الصعب، أو شراء الذمم والأصوات.
يبرز التمثيل النسائي الضعيف وسط تمثيل ذكوري بلغ 95% في عدد من المحافظات

يؤكد سعيد، الطالب في كلية الحقوق، أن «احتكار السلطة بدءاً من المناصب الشعبية الأصغر، وصولاً إلى الأكبر، أمر طبيعي وسط انعدام وجود منافس على الصعيد الشعبي». لا يرى الشاب حلاً في الأفق إلا «مطالبة حزب البعث بإصلاح نفسه وكوادره، في ظل سد جميع السبل الأخرى لإحداث أي خرق يمثل تغييراً منتظراً». ومن بين القواسم المشتركة بين لوائح «الوحدة الوطنيّة» في معظم المحافظات يبرز التمثيل النسائي الضعيف، وسط تمثيل ذكوري بلغ 95% في حلب والسويداء على سبيل المثال، الأمر الذي عُدّ «فصلاً جديداً من فصول البعث في تهميش النساء». كما أن اعتماد الحيل الانتخابية القائمة على تأخير نشر لوائح «الوحدة الوطنيّة» ألغى فرص الترشّح في شكل مستقلّ أمام من حُرموا «جنّة الوحدة الوطنيّة»، ولم تكن أسماؤهم من بين مرشّحيها. الاحتكار السياسي انتخابياً كان محط هجوم كثير من الشخصيات والأحزاب السياسية المحسوبة على «معارضة الداخل»، مثل المحامي أنس جودة مؤسس «تيار البناء الوطني»، والقيادي في «تيار بناء الدولة» سابقاً. ويعلق جودة بالقول: «قوائم مغلقة في بعض المحافظات. نسب ضئيلة جداً لشركاء البعث في الجبهة. قرارات سامية لتعيين رؤساء البلديات في انتهاك كامل للدستور والانتخابات وقانون الإدارة المحلية».