الحسكة | يبحث أبو محمد في سوق الحبوب في مدينة الحسكة لأول مرة عن حنطة لصناعة البرغل، بعد أن فتك الجفاف بمحصوله من القمح هذا العام، ليقصد السوق للحصول على المادة للمونة الشتوية. حالة أبو محمد تختصر واقع محصول القمح في الجزيرة السورية هذا العام، فالحسكة التي تعتبر العاصمة الزراعية لسوريا، لم يتجاوز إنتاجها 400 ألف طن، وسجلت أسوأ رقم تسويقي للمراكز الحكومية في تاريخها، بعد أن اقتصر تسويقها على أقل من 48 ألف طن. وسجلت وزارة التجارة الداخلية انخفاضاً مطّرداً للإنتاج، إذ تكشف الأرقام أن إنتاج سوريا من القمح بلغ 3 ملايين و900 ألف طن قبل الحرب، لينحدر الرقم عام 2012 إلى مليون و600 ألف طن، بينما بلغ قرابة 425 ألف طن في عام 2015، و420 ألف طن في عام 2016، وهذا العام لم يتجاوز الـ301 ألف طن. يعيد الخبراء الزراعيون انخفاض الإنتاج إلى ظروف «غير مناسبة» تعيشها محافظة الحسكة التي كانت تسوّق قرابة نصف الإنتاج العام في البلاد قبل الحرب، إلا أن سيطرة التنظيمات المسلحة على مساحات واسعة من أريافها، ولاحقاً «قوات سوريا الديموقراطية» منع وصول مستلزمات الإنتاج الزراعي، وسبّب تراجعاً حاداً في الإنتاج والتسويق. يضاف إلى ذلك انقطاع التيار الكهربائي، وتخريب 90 في المئة من شبكات الري، خاصة في أرياف دير الزور وحلب والرقة، ما أدى إلى توقف شبه تام في زراعة المحاصيل المروية.وأثّر افتتاح «الإدارة الذاتية» الكردية عدداً من مراكز تسلّم القمح في مناطق متفرقة في أرياف الحسكة والرقة، وتسلّمت من خلالها أكثر من 250 ألف طن، سلباً في موسم التسويق العام في البلاد. ويعيد الكثير من المزارعين أسباب تسليمهم القمح لمراكز «الإدارة الذاتية» إلى اقتصار عدد المراكز الحكومية إلى مركزين متجاورين في ريف القامشلي، وتضييق «الإدارة الذاتية» على المزارعين الراغبين بالتسليم إلى الجانب الحكومي.
ويعيد المدير العام لـ«المديرية العامة للحبوب» يوسف قاسم، في تصريح إلى «الأخبار»، انخفاض التسويق إلى المراكز الحكومية هذا العام إلى «تضرر المحاصيل بالجفاف، ولاحقاً بالأمطار المتأخرة في أيار التي ألحقت أضراراً في معظم المحاصيل، وانخفاض جودتها»، مضيفاً أن «وجود طرف آخر فتح مراكز لتسلّم القمح أثّر كذلك بالإنتاج».

التسويق لا يعكس الإنتاج
رغم تحرير الجيش مساحات واسعة من أرياف حلب ودير الزور والرقة وإدلب، وهي معظمها مناطق زراعية، فقد تبدد التفاؤل الذي أبدته الوزارة بتوقعات ببداية تعافٍ للزراعة مع انتهاء موسم التسويق. ووفق وزارة الزراعة، زرع هذا العام قرابة «مليون و100 ألف هكتار» في مختلف أنحاء البلاد، فيما ارتفعت المساحة المزروعة بالشعير إلى «مليون و800 ألف هكتار»، بزيادة قرابة 90 ألفاً عن العام الفائت، وحُصِد أكثر من 448 ألف هكتار منها.
ويرى وزير الزراعة أحمد القادري، في حديث إلى «الأخبار» أن «كمية التسويق لا تعكس حجم الإنتاج الحقيقي للبلاد، وقد زادت على مليون و200 ألف طن». ورأى أن «الظروف الجوية، ولجوء الفلاحين إلى الاحتفاظ بأقماحهم بقصد استخدامها للبذار أو المونة الشتوية، أديا إلى تدني كميات التسويق للمراكز الحكومية». ويبدي الرجل تفاؤلاً تجاه الموسم المقبل، مؤكداً أن «تحرير مناطق واسعة من الجغرافيا السورية سيكون عاملاً مهماً لبداية تعافي الزراعة».
وكانت سوريا تفتتح كل عام أكثر من 145 مركزاً لتتسلّم القمح في مراكز «المديرية العامة للحبوب»، بالإضافة إلى مراكز للصوامع التي كانت تخزن في صويمعات معدنية. وتدنّى هذا الرقم إلى أقل من 25 مركزاً في أعوام 2014 و2015، قبل أن تبدأ رحلة التعافي من جديد، مع تحسن الحالة الأمنية. ويكشف مدير «الحبوب» يوسف قاسم، عن «خطوة تأهيل 6 مراكز تسويق في حلب، بالإضافة إلى خطة لإعادة تأهيل كافة المراكز الحكومية القابلة للتأهيل في المناطق المحررة هذا العام»، معتبراً، أن «عدد المراكز هذا العام كان جيداً بعد افتتاح 35 مركزاً في كافة المحافظات، بما فيها إدلب والرقة، وهو رقم سيكون أكبر في الموسم القادم».
تُعَدّ سوريا من البلدان المحدودة الموارد المائية، وهو ما يؤدي إلى عدم استقرار وتفاوت في الإنتاج العام للبلاد من القمح. وشكّل غياب المساحات المروية خلال سنوات الحرب، أحد أهم أسباب تدني الإنتاج والتسويق. وتشكّل صعوبة الاعتماد على الآبار السطحية أو الأرتوازية، لعدم توافر مقومات تشغيلها من محروقات وكهرباء، أهم معوقات الإنتاج، ما يعطي الأولوية لإعادة تأهيل شبكات الري الحكومية كحلٍّ لبدء تعافي الزراعة.
ويكشف وزير الزراعة عن «خطة لإعادة تأهيل شبكات الري في أرياف حلب ودير الزور الشرقية، ما سينعكس على ارتفاع الإنتاج»، لافتاً إلى «البدء بتأهيل شبكة الري للسفيرة ومسكنة التي تغطي 21 ألف هكتار، مع البدء بتأهيل شبكة الري لريف دير الزور الشرقي بين الميادين ودير الزور قريباً». ويضيف أن «الحكومة قادرة على توفير كامل مستلزمات الإنتاج الزراعي لكافة المحافظات، مع استمرارية معمل الأسمدة بالإنتاج اليومي، ما سيسهم بتحسين جودة الإنتاج».