مع افتتاح معبر نصيب الحدودي بين الأردن وسوريا، مضى عدد من رجال الأعمال السوريين في حافلات مكيّفة لزيارته، تعبيراً منهم عن أهمية عودة العصب الحدودي المؤثّر اقتصادياً. ولعلّ العيب الوحيد في هذه الزيارة خلوّ المشهد من أي احتفاء شعبي من الجانب السوري، وسط فرض موافقات أمنية مسبقة على السوريين الراغبين في دخول الأردن، خشية «تصدير الإرهاب» إلى الجار الجنوبي. في المقابل، بدا الاحتفاء الشعبي من الطرف الأردني في أوضح صوره. خلال مدة قد تتجاوز الساعة من الوقوف قبالة المعبر، يمكن إحصاء 250 سيارة أردنية تعبر الحدود. تعود السيارات إلى الأردن محمّلة بأكياس ضخمة وعلب كرتونية كبيرة، وقد رُبطت بحبال تثبّتها إلى السطح بعد أن فاضت الصناديق الخلفية بالمواد الغذائية. هذا المشهد دفع بعض السوريين إلى التندّر بالقول: «يبدو أن الأردنيين كانوا يعانون سنوات الحصار أكثر من السوريين». عناصر الأمن والشرطة بدوا مرحين إزاء المشهد المثير للعجب. بينما عدّد أحد المسافرين الكثير من المواد الممكن شراؤها بـ100 دينار أردني (ما يعادل 140دولاراً أميركياً) من الأسواق السورية. وإذ أثقل ارتفاع الأسعار كاهل السوريين، فإن للأردنيين رأياً آخر، لناحية فرق سعر الصرف بين عملتي البلدين، ومستوى دخل الفرد في الأردن، الذي يفوق مستوى دخل السوريين بكثير.وأمام مشهد الأردنيين على الأراضي السورية، المأمول مساهمته في إنعاش الأسواق نوعاً ما، تظهر آثار العبور ببعض المواد الاستهلاكية خارج الحدود، على مصلحة المستهلك السوري ودولته، ولا سيما تلك المدعومة حكومياً. يأتي نقص الخبز في مقدمة المخاوف الخطيرة إزاء إعادة افتتاح المعبر، إذ إن توفير الدعم على مادة الخبز للسوريين بثمن منخفض، بقي من المسلّمات التي حافظت عليها الحكومة طوال سنوات الحرب. وهذا ما يستفيد منه اليوم المواطن الأردني العابر حدود البلاد بلا قيد أو شرط؛ الأمر الذي يعود بخسائر على الدولة السورية. وتبدو المخاوف أكبر، في ما يتعلق بزيت الزيتون، حيث شهدت أسواق دمشق والمنطقة الجنوبية، بعد أيام على إعادة فتح المعبر، ارتفاعاً ملحوظاً وغير منتظم في أسعار الزيت. ومع شحّ الموسم هذا العام في الساحل السوري، السوق الأول لإنتاج الزيتون في ظل غياب إنتاج مناطق إدلب وريف حلب عن مناطق سيطرة الحكومة، يتزايد التهديد بوقوع خسائر بالجملة. ويأتي ذلك أيضاً مع بدء التجار احتكار المواد، التي يمكن تصريفها إلى الأردن بأسعار مضاعفة لسعرها في سوريا. إذ بدأ المواطن السوري يلمس تأثراً جديداً في الأسعار، من خلال ارتفاع سعر ليتر زيت الزيتون أكثر من 100 ليرة في بعض المناطق، خلال الأيام الفائتة، فيما وصلت أسعار صفائح الزيت إلى 36 ألف ليرة، بعدما كان يمكن الحصول عليها بأسعار تبدأ من 28 ألفاً ولا تتجاوز 32 ألف ليرة في أسوأ الأحوال. الصيدليات القريبة من الحدود كانت أيضاً هدفاً للمواطنين الأردنيين، رغم ظروف إنتاج الأدوية السورية في ظل الحصار الاقتصادي الغربي.
بات على الحكومة أن تنفي عن نفسها لقب «حكومة التجار»


فوائد اقتصادية عديدة لافتتاح المعبر، كان أولَ من قرأها رجال الأعمال السوريون، المتوجهون إليه بابتسامات عريضة واعدة بالكثير من إحياء مشاريع الاستثمار في مجال النقل والترانزيت وتصريف المنتجات السورية في الأسواق الأردنية. غير أن ذلك يضع الحكومة أمام استحقاق صعب، لتنفي عن نفسها لقب «حكومة التجار»، وتكون حكومة لكل السوريين. وهُنا لا بد من استحضار المرارة لدى البعض في مواجهة صور فتح المعبر والسيارات الأردنية المحمّلة المنتجات السورية. الخيبة التي مرّ بها السوريون خلال الأعوام الماضية، جراء التعاطي العربي مع أزمتهم، استحضرها البعض بالمزيد من مشاعر الغضب والحنق على دور الحكومة الأردنية وأشقائها في إذكاء نار حرب الأعوام السبعة. فإن كان تجاوز الأمر عبر اعتباره مجرد عواطف شعبية غير مؤثرة في المشهد السياسي والاقتصادي، يبرز دور الانفتاح الاقتصادي المتعقّل على الجيران، بتحديد قوائم جديدة للمواد المسموح تصديرها، التي غالباً ما تكسد في الأسواق السورية، كالحمضيات واللوزيات. تصريح نقيب أصحاب الشاحنات الأردنية باستخدام معبر نصيب الحدودي لعبور بعض الشاحنات، نحو الأراضي السعودية، شرع الباب على التساؤل عن نوع البضائع التي ستحملها هذه الشاحنات، وسط أمل ضعيف بأن تأتي الإجابات مطمئنة إلى أن لا انفتاح على التصدير والتبادل التجاري، بما لا يكفل مصالح الشعب السوري وصيانة مقدراته.