تمكّن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، من مصافحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أروقة قصر الإليزيه في باريس، مع تبادل بضع كلمات وقوفاً لوقت قصير. «اللقاء» هو الأول منذ إسقاط الطائرة الروسية في سوريا في أيلول الماضي، ولا يتوقع، له بذاته، أن يجسر الهوة بين الجانبين، أو يدخل أي تعديلات على الشروط الروسية التي تمنع إسرائيل من شنّ هجمات جوية في سوريا.«اللقاء» الذي يعد نجاحاً في صورة العلاقات العامة لنتنياهو، جاء رغم كل التوقعات التي رجّحت حتى وقت قصير من مصافحة الجانبين في باريس، أن لا يتقابلا، خاصة أن الجانب الروسي يرفض اللقاء وما يمكن أن يتأسس عليه من «تسوية»، لا يبدو أن موسكو في وارد القبول بها في المرحلة الحالية، بعد أن أدخلت عملياً الأزمة بينها وبين تل أبيب ضمن الكباش الدائم وأوراق الضغط المتبادل مع الأميركيين حول الساحة السورية.
الواضح أن نتنياهو استغل «النجاح النسبي» في مصافحة بوتين وتبادل الحديث معه، وعمد إلى تحويل «حدث علاقات عامة» إلى إشارة على نجاعة سياسته وطريقة إدارته للأزمة مع الروس، وكاد يلمح في تعقيبه على اللقاء إلى أنه نقطة تحوّل باتجاه تسوية الأزمة بين الجانبين، خاصة أنه وصف اللقاء، من دون الدخول في التفاصيل، (ربما لفقدانها) بـ«الجيد والمهم، بل ويمكنني أن أصفه بأنه مهم جداً». في المقابل، شدد «الكرملين»، عبّر الناطق الرسمي باسمه دميتري بيسكوف، على أن بوتين حادث نتنياهو في أروقة قصر الاليزيه، في تظهير واضح لمكان اللقاء تحديداً، وهي إشارة بدت مقصودة وتؤشر إلى «عفوية» اللقاء، ومن ثم التخفيف من سقف التوقعات في أعقابه.
وقال نتنياهو، بعد وصفه لقاء بوتين بالمهم جداً، إنه «قبل ذلك، التقينا زعماء من العالم على مائدة غداء، وقبل ذلك اجتمعنا مع زعماء، وتقريباً كلهم معنيون بتطوير العلاقات مع إسرائيل، والكثير منهم تحدثوا معي، وأعربوا عن رغبتهم في تقوية العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والتكنولوجية في ما بيننا، وأنا التقيت أيضا إضافة بوتين، الرئيس الاميركي دونالد ترامب في محادثات مهمة بالنسبة إلى إسرائيل، وكذلك تحدثت مع زعماء دول أفريقية، والذين أعربوا عن رغبتهم في تعزيز العلاقات».
في ذلك، من المفيد الإشارة إلى الآتي: اللقاء جاء عفوياً، وربما أيضاً «احتيالياً»، ومن شأن مقدماته وتفاصيله أن تتضح لاحقاً بعد تسريبات يمكن توقعها في هذا الشأن. الثابت بحسب الوسائل الاعلامية العبرية، نقلاً عن «مصادر مطلعة جداً» على أجواء التحضيرات المرفوضة روسياً للقاء بين الجانبين (القناة العاشرة)، أن أجندة بوتين في باريس لم تكن تتضمن أي لقاء مع نتنياهو. هذا هو المعطى الثابت قبل اللقاء، ودليل على أنه جاء عرضياً.
وجود تقدير سائد في تل أبيب أن الرفض الروسي الدائم والمتواصل في رفض اللقاءات، بل وأيضاً رفض الحديث عنها، هو رسالة لإسرائيل، تؤشر إلى أن ما بعد إسقاط الطائرة ليس كما قبله. والواضح أيضاً في تل أبيب أن روسيا تستغل حادثة الطائرة إلى أقصى قدرة استغلال ممكنة، ليس في وجه إسرائيل وحسب، بل أيضاً في وجه الجانب الاميركي، حيث الضغط عليها (إسرائيل) ضغط غير مباشر على واشنطن نفسها، وكذلك في اتجاه تعزيز أوراق الضغط الميدانية في وجهها، ازاء كل «السلّة السورية».
على ذلك، يفترض مراقبة مرحلة ما بعد لقاء بوتين ـــ ترامب في باريس، وكل ما يرد من الجانبين من أقوال وأفعال حول الساحة السورية تحديداً. حل أو استمرار «معضلة» تل أبيب في سوريا وكفّ يدها عن الهجمات الجوية، قد يكمن في طاولة المفاوضات بين أميركا وروسيا، وفي ذلك تُعَدُّ تل أبيب من ناحية فعلية طرفاً متلقياً لآثار هذه المحادثات، بنجاحها أو فشلها.
لقاء أروقة الاليزيه هو في ذاته، ورغم ترويجه «نجاحاً»، يعدُّ تعميقاً أكثر للإهانة الروسية لإسرائيل، وهي أيضاً تأكيد لضعف تل أبيب في هذه المعادلة، التي تكتفي بمراعاة واضحة للجانب الروسي، وتجنّب ما يمكن إغضابه أو إثارة استيائه. واضح مدى صبر الإسرائيليين وحجمه واضطرارهم إليه، وهو مبني على معرفة وإدراك جيدين لقوتهم وحدودها الفعلية في القدرة على استخدامها في وجه الروس، ما يملي عليهم مواصلة الترجي والأمل بتغيير الموقف الروسي من دون اللجوء إلى أوراق ضغط فعلية، كانت لتلجأ إليها لو لم يكن الجانب الآخر هو روسيا.
في ذلك، أشار مصدر سياسي إسرائيلي رفيع للقناة الـ12 العبرية (الذي أكد الأزمة في معرض الإشارة إلى نجاح نتنياهو)، بأن اللقاء كسر الجليد بين الجانبين. القناة لفتت إلى أن إسرائيل أرادت لقاء قمة تؤسّس لإنهاء أو تسوية الأزمة بين الجانبين، لكن كل ما حصلت عليه هو لقاء وقوفاً لمدة قصيرة لا يصلح للتأسيس عليه.