يروي طالب السنة الأولى في كلية الآداب في جامعة دمشق حسام فضلو لـ«الأخبار» أول انطباع له في بداية حياته الجامعية: «عندما أتيت لأول مرة إلى الكلية، وجدت على بابها صفاً من الطالبات ينتظرن التفتيش والتحقق من الهويات الجامعية، ولم أجد صفاً للطلاب. سألت الحراس، فأجابوا ضاحكين بأنه ليس هناك صفان، واحد للبنات والآخر للشباب: هذا الصف الذي أمامك للطلبة كلهم، ذكوراً وإناثاً، عليك أن تنضم إليه!». بهذا المشهد، يختزل حسام اختلال النسبة الحاد بين الذكور والإناث لمصلحة الأخيرات في أكبر كلية في جامعة دمشق.
المتوسط العمري للشباب المهاجر انخفض إلى 20 عاماً

في العام الدراسي الحالي، فضّل قسم واسع من زملاء حسام الهجرة إلى خارج البلاد على الدراسة الجامعية. «استفاد» هؤلاء من تجربة من سبقهم على مدى 5 أعوام دراسية، ممن اضطر معظمهم إلى الهجرة إلى خارج البلاد بعد إنهاء الدراسة الجامعية، إما هرباً من الخدمة الإلزامية أو سعياً للحصول على حياة معيشية أفضل وأكثر استقراراً وأماناً، فشكّل ذلك دافعاً لقسم واسع من الشباب دون سن التاسعة عشرة «لاختصار الطريق» والالتحاق بركب المهاجرين بعد حصولهم على الشهادة الثانوية. وتنطبق الحال كذلك على طلاب السنوات الأولى في الجامعة، يقول طالب يستعد لترك الجامعة في السنة الثانية (كلية الاقتصاد) والهجرة إلى أوروبا، لـ«الأخبار»: «من يعلم بما سيحصل في الغد؟ اليوم طريق الهجرة مفتوح نحو أوروبا، ونسمع بين الحين والآخر أخباراً عن احتمال إغلاقه. وقد يجري تشديد قوانين الخدمة الإلزامية والسفر على الشباب؟ سنضطر عاجلاً أو آجلاً إلى الرحيل، فالأفضل أن نبدأ من الآن». ويفضل الطلاب المهاجرون الانتظار لعامين على الأقل (وهو الوقت الذي تستغرقه عملية الهجرة والحصول على الإقامة وتعلم إحدى اللغات الأجنبية) للحصول على فرصة جديدة للدراسة الجامعية في المهجر، فذلك بالنسبة إليهم «أفضل من الحصول على شهادة جامعية، ثم التعطل من العمل والحياة الطبيعية لسنوات طويلة»، يضيف.
تنعكس الهجرة شبه الجماعية للطلاب الذكور بنحو شديد الوضوح في الحياة اليومية الجامعية. الساحات والأروقة في كليات جامعة دمشق تعج بالطالبات، فيما بات الذكور يشكلون «أقلية» يغيب حضورها تدريجاً عن الجامعة. ويبدو هذا المشهد جلياً في كلية التربية في جامعة دمشق، التي كانت بالأساس، قبل الحرب، تشهد زيادة عالية لنسبة الطالبات على حساب الطلاب، أما اليوم فتقلص عدد الذكور فيها إلى ما يشكل نحو 10% من المجموع الكلي للطلاب، بحسب دراسة أولية أعدّها حنا سلوم الباحث في قسم علم الاجتماع، وتتوقع الدراسة أرقاماً أعلى بقليل في الكليات الأدبية تصل إلى حدود الـ 20%، أما الفروع العلمية فمتوسطها 35%. وتشير الدراسة إلى أن النسب المذكورة «متغيرة، ومرشحة للتناقص في معدل الطلاب الذكور حتى ظهور نتائج الفصل الأول، والتحقق من نسب الدوام الفعلي لفئتي الذكور والإناث».
أما الباحثة الاجتماعية في جامعة دمشق، سلوى حسن، فتخلص إلى نتيجة مفادها أن «المتوسط العمري للشباب الجامعي المهاجر انخفض من سن الـ 23 إلى 20». وتشرح لـ«الأخبار» أن «استمرار ظاهرة هجرة الشباب على مدى ثلاث سنوات على الأقل، غير الخطة التقليدية لحياة الشاب السوري»، فالدراسة الجامعية، على سبيل المثال، كانت هدفاً تقليدياً للشاب السوري في ما مضى، أما اليوم فأصبحت خياراً أقل جذباً بالنسبة إليه، لسببين: الأول هو غياب الاستقرار المعيشي والأمني للطالب، والثاني، توفر البديل متمثلاً بالهجرة إلى بلد أوروبي، حيث تتوفر إمكانية إكمال الدراسة بعد تعلم إحدى اللغات الأجنبية، توازياً مع إمكانية الحصول على مرتب فيه. وتختلف المسألة بين الذكور والإناث، فالأخيرات أقل اضطراراً إلى الهجرة لأسباب «أمنية واجتماعية»، بحسب الحسن: «الأَمنية تتمثل بجبهات الحرب، التي هي بمثابة الثقب الأسود الذي لا يتوقف عن ابتلاع أعداد كبيرة من الذكور. أما الاجتماعية فنتيجة لاعتماد الأسرة السورية على الذكور لإيجاد البدائل الاقتصادية والمعيشية من خلال الهجرة، بالإضافة إلى كون الذكور يتمتعون بحرية اجتماعية أوسع بحركتهم وسفرهم وإقامتهم في بلدان أجنبية».
ويخرج الزواج من حسابات «الخطة الجديدة» للشباب المهاجر، الجامعي وغير الجامعي، الأمر الذي يحمل إشارات مقلقة للطالبات في جامعة دمشق. فقبل اتساع ظاهرة الهجرة لدرجة اشتمالها الطلبة الجامعيين في السنوات الأولى، كان ممكناً أن «ترتبط الفتاة بالشاب في سن الزواج، وأن يخططا معاً للاستقرار أو حتى الهجرة»، تقول طالبة في قسم الأدب الفرنسي في كلية الآداب لـ«الأخبار». وتضيف مازحة: «أما الآن، والجامعة تخلو من الشباب، فعلى الزواج والعائلة السلام...».