دمشق | وسط ظروف مناخية قاسية اجتاحت مناطق سوريا (وجوارها) هذا الأسبوع، أحال نقص في مادة الغاز يوميات الشارع إلى معاناة حقيقية. وكأن مواعيد هذه الأزمات التي تثقل كاهل الأهالي وتزيد أعباءهم المادية تأتي بحسب مواسم الحاجة إلى تلك المادة أو الخدمة. وإذ حوّل السوريون مشاكل الإنترنت في بلادهم إلى نكتة يومية تسود حياتهم الافتراضية، حول «الكابل البحري الذي يعضه سمك القرش فيبطئ الشبكة»، فإن الكوميديا السوداء باتت تطاول كل شيء. وهكذا فإن أزمة الغاز عادت هذا العام في موعدها الثابت، خلال أيام الشتاء، أسوة بمواعيد ثابتة أُخرى للسوريين مع تقنين الكهرباء ونقص الوقود وبعض المواد الاستهلاكية. اليوم الأول من الأزمة بدأ بوصول ثمن عبوة الغاز المعدنية إلى 3500 ليرة، أي ما يعادل 7$، بعدما كانت لا تتجاوز 2700 ليرة. وسرعان ما وصل سعرها إلى 5 آلاف ليرة في بعض المناطق، و10 آلاف ليرة بحسب شكاوى واردة من مناطق في الساحل السوري؛ وذلك في حال رفض الوقوف في طابور طويل يرسمه مواطنون اعتادوا اختبار كل أنواع الاستنزاف اليومي طيلة سنوات الحرب، للحصول على عبوة الغاز بسعرها القديم.وفي ظل أداء حكومي عجيب، فإن التعمق في أسباب الأزمة، سيقود إلى تقييم الإجراءات المتبعة لتخفيف آثارها واحتوائها السريع، وهذا ما يثير الحنق الشعبي. التصريحات الرسمية، كما عهدها الشارع، غير كافية للتهدئة. تبرير متعلق بجرد نهاية العام، وآخر يعود إلى تأثير الأحوال الجوية على حركة الموانئ، إضافة إلى حجج سياسية متعلقة بعرقلة الأسطول الحربي الأميركي لناقلات الغاز الإيرانية المتوجهة إلى سوريا. كل هذه التبريرات أفضت إلى جحيم الاحتكار منذ مطلع الشهر الجاري. غير أن إجماعاً ضمنياً على أن الحلول باتت قريبة بجهود حكومية توفر كميات من الغاز لضخها في السوق المحلية، قبيل فترة أعياد نهاية العام.
طابور طويل متعرج يقف ضمنه نساء وأطفال ومراهقون، كلٌّ قرب عبوة الغاز المنزلية الفارغة خاصته. يتناقل المتذمرون المبررات الرسمية بكثير من الاستهزاء. يقول رجل خمسيني منتظراً دوره أمام مركز معتمد لتوزيع الغاز: «من عقلهن رح نصدق انو ترامب حاطط عقلو بعقل جرة غاز مطبخنا». ينفخ يديه محاولاً تدفئتهما، وينظر إلى جاره البائس الذي يغطي رأسه بقبعة صوفية؛ ويرد ساخطاً أيضاً: «اختار ترامب توقيت هذه العواصف ليضع يديه على خصره ويعترض ناقلات الغاز طيلة أسبوعين. والأهم أن الحكومة دائماً تلعب دور المتلقي». يعود الرجل الخمسيني للتعليق ساخراً: «حكومات أزمة لك عمي. شو بيفهمك إنت!». أزمة ثقة يمكن قراءتها في أبسط تفاصيل الحياة اليومية بين المواطن المنكوب في لقمة عيشه وبين المسؤول الذي يطلق مبررات تقصيره المتواصلة. وأمام شماعة الأسطول الأميركي وحرب الثماني سنوات وضرب المسلحين لمحطات الغاز والكهرباء وسائر المراكز الحيوية، ما عاد السوريون مقتنعين بالنوايا الحميدة للحلول المتأخرة.
تبلغ الحاجة اليومية من الغاز المنزلي 1200 طن


تقاطعات نادرة بين الرسميين السوريين ومعتمدي توزيع عبوات الغاز المنزلي، إذ يرى عدد من المعنيين أن سبب الأزمة مجرد زيادة في الطلب بحكم الحاجة المتزايدة في فصل الشتاء. محمد، أحد معتمدي الغاز في أحد أحياء الساحل السوري، حذا حذو موظفي الوزارات، إذ انتهج الصمت وأغلق هواتفه في وجه الطلب المتزايد على الغاز. تقول قريبته هناء: «لا يرى موزعون عدة لمادة الغاز أزمة فعلية في البلاد. قال لي أحد الأشخاص أعطني 4500 ليرة وسأؤمن لك 10 عبوات بهذا السعر. هل الأزمة بسبب نقص المادة أم مجرد افتعال بسبب الاحتكار؟». وتضيف: «قريبي محمد المعتمد الموزع للغاز لا يجيب على هواتفه. أضحى التواصل معه أصعب من التواصل مع رئيس حكومة. زوجته تقول بفخر أنه مشغول ليلاً ونهاراً، وأنه يتوقف عن الرد على أي كان بعد نفاذ الكمية التي تصله». وبينما تبلغ الحاجة اليومية من الغاز المنزلي 1200 طن، فإن الإنتاج المحلي يبلغ 30% فقط، وفق إحصائيات وزارة النفط السورية، فيما يعوّض الفارق عبر الاستيراد. ومع تناقص الطلب على المادة بين شهري آذار وتشرين الثاني، يبقى الباب مفتوحاً على حجم الاحتياطي السوري من مادة الغاز، والذي يفترض به تغطية حاجة السوق خلال أشهر الشتاء، على الأقل.