إسطنبول | يستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم، نظيره التركي رجب طيب أردوغان، ليضعَ وإيّاه النقاط على الحروف في عدد من ملفات وتفاصيل المرحلة المقبلة من التعاون الثنائي، والوضع في سوريا. وتتوقع أوساط ديبلوماسية أن تكون مباحثات الرئيسين صعبةً جداً، في ضوء عدم الارتياح الذي عبّرت عنه موسكو غير مرّة، جراء تهرّب أنقرة من مسؤولياتها وتعهداتها بموجب «اتفاق سوتشي» الذي تمّ في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، وخاصة الجزء المرتبط بالتخلص من «جبهة النصرة». ولا شك في أن الاتصالات الهاتفية المتكررة بين أردوغان ونظيره الأميركي دونالد ترامب، وما جرى من توافقات بشأن إقامة «منطقة آمنة» شرقيّ الفرات، وضعت العلاقات التركية - الروسية أمام تحديات جديدة ومعقّدة، وسط محاولات المسؤولين الأتراك للتنصّل من مسؤولية ما جرى في إدلب عبر لوم «النظام السوري الذي سبّب الأزمة... لأنه أرسل الإرهابيين من درعا وحمص ودمشق وباقي المناطق السورية إلى إدلب»، وفق الرواية التركية. وقرأت أوساط إعلامية روسية هذه التصريحات، على أنها محاولة تركية جديدة لتأخير الحلّ، أو المعالجة العسكرية للوضع في إدلب، في ضوء غياب أي توجه تركي لاستهداف «النصرة» عسكرياً، وعقب إعلان أبو محمد الجولاني تأييد أي حراك عسكري تركي ضد «الأكراد» في شرقيّ الفرات.
قد يعزز النجاح في عقد «مصالحة» بين «النصرة» و«الفصائل» الموقف التركي

وتتحدث معلومات صحافية تركية عن مساعٍ تقودها أنقرة لتحقيق «مصالحة» بين «النصرة» والفصائل الأخرى. وسيتيح نجاح تلك الجهود لأردوغان موقفاً تفاوضياً أصلَب خلال محادثاته مع بوتين، بحيث تقتصر أي مساومة مرتقبة مع الجانب الروسي على مصير المسلحين غير السوريين الموجودين في إدلب وجوارها. وتقول أوساط معارضة إن ما يسعى إليه أردوغان، تأجيل قضية إدلب حتى حسم موضوع شرقيّ الفرات، ومن ثم الحل النهائي للأزمة السورية، بحيث يُضَمّ أفراد الفصائل المسلحة، بمن فيهم، عناصر «النصرة» غير الأجانب، إلى صفوف القوى الأمنية والعسكرية ضمن إطار الاتفاق النهائي على الدستور الجديد لسوريا. ويرجّح أن تُبحث كل هذه القضايا في مباحثات أردوغان وبوتين، وسيضطر الأخير إلى موازنة الضغوط السورية والإيرانية الساعية إلى تحرير إدلب، والمصالح الروسية مع تركيا، مع مراعاة حسابات التوازن مع الولايات المتحدة الأميركية. ولا توفّر واشنطن جهداً لتخريب العلاقة الروسية - التركية، بما في ذلك التلويح بفتح المجال أمام تركيا للتوغل شرقيّ الفرات، وإن بشكل مدروس ومنسّق. ويأتي ذلك وسط إعراب المعارضة التركية عن قلقها من المغامرة العسكرية المحتملة في شرقيّ الفرات، والتي قد تضع القوات التركية وجهاً لوجه أمام «وحدات حماية الشعب» الكردية، ولاحقاً الجيش السوري المدعوم من روسيا وإيران.
وتوقعت أوساط سياسية اعتراض موسكو على إنشاء «المنطقة الآمنة»، في ضوء استمرار مشاوراتها المباشرة مع ممثلين عن «قوات سوريا الديموقراطية» و«الوحدات» الكردية، بهدف التوصل إلى صيغة ذات طابع عسكري وسياسي، ولاحقاً دستوري، للمشكلة الكردية في سوريا. وتراقب أنقرة هذه المشاورات عن كثب، من دون أن تخفي قلقها من احتمال عقد اتفاق بين دمشق والجانب الكردي، فيما توقّع خبراء عسكريون وديبلوماسيون لمشروع «المنطقة الآمنة» أن يجعل من الشمال السوري كشمال العراق بعد حرب الخليج الأولى، حيث وُضع أكراد العراق تحت حماية قوات أميركية وبريطانية وفرنسية، وصلت إلى تركيا في تموز/ يوليو من عام 1991، وبقيت فيها حتى الاحتلال الأميركي للعراق في آذار/ مارس من عام 2003. وفي السياق نفسه، قالت صحيفة «حرييت» التركية الموالية للسلطات، إن أردوغان اقترح على ترامب تشكيل قيادة تركية أميركية مشتركة في منبج، تُسهم في إخراج الميليشيات الكردية من المدينة وتسليمها لـ«مجلس محليّ»، كما هي الحال في بلدات ريف حلب الشمالي التي تسيطر عليها تركيا منذ صيف عام 2016. وقالت الصحيفة إن محادثات المسؤولين الأتراك مع مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون، ورئيس هيئة الأركان الأميركية جوزف دانفورد، تناولت كل التفاصيل الدقيقة الخاصة بالتعاون العسكري والاستخباري بين أنقرة وواشنطن، في ما يتعلق بملف «المنطقة الآمنة»، وبعد ذلك عموم الشرق السوري.