انقضت الساعات الأربع والعشرون التي كان يفترض أن تشهد «إعلاناً عظيماً» من «البيت الأبيض» عن «هزيمة داعش» بلا بيانات أو تغريدات رئاسية من دونالد ترامب. وظلّت بلدة الباغوز التي يتحصّن فيها من بقي من عناصر «داعش» خارج يد «التحالف الدولي». وبمعزل عن توقيت إعلان «النصر الحاسم» من قِبَل ترامب، فإن تصريحات الأخير ومسؤولي بلاده تشدد على أن القوات الأميركية ستترك الساحة عقب انتهاء المعارك، تاركة مهام «حفظ الأمن والاستقرار» لغيرها. ووسط التركيز الإعلامي الكبير على «آخر معاقل الخلافة»، يشهد ريف حماة الشمالي وامتداده نحو ريف إدلب الجنوبي تصعيداً على خطوط التماس، على رغم وجود نقاط المراقبة التركية هناك. ومنذ قمة سوتشي الثلاثية التي جمعت رؤساء «الدول الضامنة» في مسار «أستانا»، ارتفع منسوب التصعيد، ووصل منذ أول من أمس إلى ذروة جديدة مع استهداف الفصائل المسلحة عدداً من بلدات ريف حماة بصواريخ «غراد»، وما تلاه من قصف مضاد نفّذه الجيش السوري على مدى يومين، وطاول مواقع المسلحين في أكثر من 10 بلدات، أبرزها خان شيخون ومعرّة النعمان. واللافت في هذا التصعيد، أنه أتى عقب تصريحات روسية متكررة تشير إلى «عدم إمكانية التعايش مع الإرهاب» في إدلب، وفي موازاة تلميح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى إمكانية «القيام بعمليات مشتركة (هناك) في أي وقت وبما يتماشى مع التطورات»، مع الإشارة إلى وجود عمل جادّ مع الجانب الروسي حول «اتفاقية أضنة».
أردوغان: «أستانا» أتاحت لنا ما عجزت دول الخليج والأمم المتحدة عنه في «جنيف»


لكن الأجواء الإيجابية التي حاولت أنقرة إشاعتها عبر استحضار تفعيل «اتفاقية أضنة» لم تَلْق صدًى في دمشق. إذ خرجت مواقف لافتة للرئيس السوري، بشار الأسد، أمس، تتهم أردوغان بالعمل وفق الأجندة الأميركية. وجاءت تلك المواقف خلال لقاء الأسد مع رؤساء مجالس الإدارة المحلية، المنتخبين وفق «القانون 107» الذي احتلّ جزءاً كبيراً من الحوار بين الحكومة وممثلي «مجلس سوريا الديموقراطية». وإلى جانب رمزية توقيت اللقاء، ركّز الرئيس السوري في خطابه على أن «اللامركزية» المطبّقة ضمن القانون هي ما تقبل به دمشق، لا النسخة التي تقود إلى «إضعاف دور الدولة» وتفضي لاحقاً إلى التقسيم. وترافقت هذه الإشارة الواضحة مع تأكيد الأسد على أن المجموعات التي تراهن على الجانب الأميركي ستكون «أداة للمقايضة»، ومخاطبته إياها بالقول: «إذا لم تحضّروا أنفسكم للدفاع عن بلدكم، وللمقاومة، فلن تكونوا سوى عبيد عند العثماني، ولن يحميكم سوى دولتكم، ولن يدافع عنكم سوى الجيش العربي السوري عندما تنضمون إليه وتقاتلون تحت رايته». وأضاف الأسد أن تركيا اليوم تقوم بالعمل لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية، على اعتبار أن «الإخونجي أردوغان... هو عبارة عن أجير صغير عند الأميركي». وعن ملف «اللجنة الدستورية» ومسار «الحل السياسي»، قال الرئيس السوري إن «الدستور هو مصير البلد، وبالتالي هو غير خاضع لمساومات أو مجاملات، وأي تهاون قد يكون ثمنه أكبر من ثمن الحرب»، مضيفاً أن «هذا يعني ألا نسمح للدول المعادية بأن تحقق عبر وكلائها من حاملي الجنسية السورية أياً من أهدافها، سواء عبر فرض تشكيل اللجنة أو فرض آليات عملها». وأشار إلى أن «هناك الآن حواراً بين طرف وطني وطرف عميل.... وهذا الطرف (الأخير) يمثّل الدولة التركية وبشكل علني».
وكان حديث أردوغان قد أتى خلال عودته من سوتشي، ليؤكد عبره أن «الاستخبارات التركية ونقاط المراقبة تعمل بشكل مكثّف لمنع الإعمال الإرهابية... وضمان أمن سكان إدلب». وفي موازاة اتهام الرئيس التركي للجانب الأميركي بالمماطلة في تنفيذ «خريطة طريق منبج»، لفت أردوغان إلى أن «عملية أستانا مكّنتنا من القيام بما أخفقت به دول الخليج الفارسي والأمم المتحدة في تحقيقه عبر جنيف». وتطرّق الرئيس التركي إلى ملف «المنطقة الآمنة» في شرق الفرات بشكل موسّع، مجدداً موقف بلاده الداعي إلى «فرض سيطرة تركية كاملة» عليها. وكشف أن روسيا لا تعارض هذا الطرح «عبر اتفاق بين أنقرة ودمشق (اتفاقية أضنة)»، غير أنها تسعى «إلى الحدّ من عمق هذه المنطقة». وفي السياق ذاته، أكد أن «المؤسسات ذات الصلة تعمل الآن على هذا البروتوكول... وسنسعى لاستخدامها كأداة في حربنا ضدّ الإرهاب». وعقب كلام أردوغان، عاد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس، للحديث عن «اتفاقية أضنة» خلال «مؤتمر ميونيخ للأمن» باعتبارها إطار تعاون مشترك «ضد الإرهاب»، مضيفاً أنه «بسبب الوضع الحالي في سوريا، لا تستطيع دمشق محاربة الإرهابيين، وهذا هو سبب وجودنا هناك».