في مشفى «البيروني» الخاص بمعالجة الأورام، تجلس آمنة (52 عاماً) وابنتها، في انتظار دورها لتلقي جرعة العلاج الشعاعي. مع بسمة لا تفارق وجهها، وتوتر تعكسه حركات جسدها، لا تمانع آمنة في سرد تفاصيل علاجها من سرطان الثدي، المستمر منذ عام 2010 حتى اليوم، وتنقلها بين مشفيي «البيروني» و«الأسد الجامعي» الحكوميين للحصول على أدوية وجرعات وصور وتحاليل بالمجان. رحلة العلاج الصعبة التي تخلّلتها عملية استئصال للثدي أثمرت، وباتت آمنة تشعر بأنها تخطت المراحل الصعبة في مرضها نفسياً وجسدياً؛ إذ تعود بعد كل جرعة إلى حياتها الطبيعية وعملها في المنزل وخارجه. تعتقد آمنة بأن غياب ثقافة الكشف المبكر عن الأورام، أوصلها إلى عملية الاستئصال بعد تأخر العلاج، ومع ذلك تقول: «كتّر خير الدولة ما عم تقصر مع كل المرضى».أما ديمة (27 عاماً) التي فقدت والدها قبل أشهر بعد معاناته لأكثر من 3 سنوات، فلا تتذكر من مراحل علاج أبيها من سرطان الرئة إلا ألمه خلال جلسات العلاج الكيميائي، والانتظار في الدور، وصعوبة التنقل بين منزلها والمشفى الوحيد الخاص بعلاج الأورام، والموجود على أطراف العاصمة. وترى أن ارتفاع نسب الموت بسبب السرطان يقع على عاتق الجهات المعنية المسؤولة عن «ضعف الجانب الطبي» وفق رأيها. وتضيف: «الفقر هو اللي موّت أبي، لو معنا مصاري لكنا سافرنا لبرّا عالجناه».
يلفت أحد الأطباء في وزارة الصحة (رفض ذكر اسمه) إلى أن 70% من حالات السرطان تُكتشف في مراحل متأخرة في سوريا، وأن الإحصاء الأخير الذي أعلنته الوزارة، والذي يقول إنه في عام 2016 وصل عدد حالات الإصابة بالسرطان إلى 18450 حالة تقريباً، فيما بلغ معدل الإصابة 138 حالة لكل مئة ألف من السكان، غير دقيق. ويضيف إن تلك الأرقام «تساوي تقريباً 75% من الرقم الواقعي... لأن الدراسة التي يعتمد فيها السجل الوطني للسرطان للوصول إلى إحصائية شاملة تقوم على قاعدة المشافي فقط، أما القاعدة السكانية فهي غير موجودة».
تشير بعض الإحصاءات العالمية إلى أن مرض السرطان سيصبح «القاتل الأول» في عام 2030. أما في سوريا، فيوضح الطبيب نفسه لـ«الأخبار» أنه «وفق الإحصاءات الرسمية، يُعد مرض السرطان المسبب الخامس للوفيات... إلا أن الواقع يقول غير ذلك، وخاصة أن سجل الوفيات غير مضبوط الجودة، ولا يمكن الاعتماد عليه في معرفة ترتيب مسببات الوفيات الحقيقية، فهو قائم على التقدير، وهناك العديد من مرضى السرطان يكتب في ملفاتهم عند وفاتهم أن السبب هو احتشاء عضلة قلبية، وهذا يعود إلى عدم وجود منهجية صحيحة لتعليم الإحصاء الطبي في الجامعات والمعاهد الطبية». وبرأيه، فإن «الأمراض القلبية عادت بعد انحسار الحرب لتحتلّ مرتبة القاتل الأول، ويليها السرطان في المرتبة الثانية».
ومن اللافت في ملف علاج السرطان، ما كشفته أرقام صادرة عن «المكتب المركزي للإحصاء» (2016) من أن عدد الأطباء المتخصصين في جراحة الأورام انخفض من 35 طبيباً في عام 2013، إلى 20 طبيباً فقط في عام 2016.