شهد ريف حماة الشمالي أمس معركةً يمكن تصنيفها الأعنف منذ انطلاق جولة التصعيد الأخيرة قبل نحو أسبوعين. الهجوم الذي حاول عبره ائتلاف من الفصائل المسلّحة استعادة السيطرة على عدة بلدات حمويّة، أهمها كفرنبودة، نعى «الهدنة» الروسية ـــ التركية المرحلية، التي ضلّت طريقها إلى التطبيق بين نيران الجبهات. وأُريد عبر تغطيته الإعلامية من بعض الفصائل أن يظهر نعياً لمجمل «اتفاق سوتشي»، ضمن سياقِ استثمارهِ من قِبَل أنقرة في محادثاتها الساخنة مع موسكو.وبعد تحشيد عسكري واسع شهد ـــ على خلاف المرات الماضية ـــ حضوراً وازناً لـ«هيئة تحرير الشام»، هاجمت الفصائل نقاط الجيش في محيط بلدات كفرنبودة والحميرات والشيخ إدريس وتل هواش. وحضرت بصمة «تحرير الشام» وعلامتها الفارقة في المعارك، عبر التمهيد بتفجير عربة مفخخة، غير أن الأخيرة لم تصل إلى أطراف كفرنبودة، وانفجرت في محيطها. ومنذ بداية الهجوم، حرصت «تحرير الشام» على نشر صور تظهر حضور عناصرها المحوري على خط المواجهة، وتسجيلاتٍ تظهر استخدامها السلاح الثقيل في استهداف ريفَي اللاذقية وحماة. وبالتوازي، ركّزت تغطية أوساط «الجبهة الوطنية للتحرير» على مشاركة مجموعات «الجيش الوطني» (وعلى رأسها أحرار الشرقية) في المعركة، رغم أن أوساط معارضة أشارت إلى بقائهم في الخطوط الخلفية بعيداً عن نقاط التماس.
أوقع الطيران الحربي خسائر كبيرة في صفوف الفصائل المهاجمة


مجريات المعركة تخلّلها دخول الفصائل المهاجمة إلى بعض أحياء كفرنبودة، ولا سيما في الجزء الشمالي من البلدة. وبمعزل عمّا إذا كان انسحاب الجيش من تلك النقاط ضرورة ميدانية أو خطّة معدّة مسبقاً، فقد كان له تأثير إيجابي مهمّ على مجريات المعركة، إذ سمح باستجرار قوات واسعة من الفصائل، لمحاولة إحكام السيطرة على كفرنبودة والتحرك سريعاً لقضم مناطق جديدة، ليتولى سلاح الجو والمدفعية مهمة استهدافها. وأدى الطيران الحربي دوراً بارزاً في إيقاع خسائر كبيرة في صفوف المهاجمين، ووسّع دائرة الاستهداف لتشمل معظم النقاط المتاخمة لخطوط إمدادهم في ريف إدلب الجنوبي. وحتى وقت متأخر من ليل أمس، كانت الاشتباكات مستمرة في محيط كفرنبودة، برغم تراجع حدّتها، عقب الزخم الكبير لسلاح الجوّ.
ما برز أمس في موازاة التصعيد الميداني، كان الإشارات التي خرجت عن بعض الفصائل والأوساط القريبة منها، التي تلمّح إلى أن مشاركة وحدات من «الجيش الوطني» (من مناطق «درع الفرات» و«غصن الزيتون») لا تأتي مدفوعة بحاجة ميدانية (تكتيكية) لقوتها العسكرية (المحدودة فعلياً)، بل كرسالة ذات محتوى سياسي، هدفها الترويج (والتمهيد) لتكريس الرعاية التركية المباشرة لمنطقة إدلب، على نسق ريف حلب الشمالي. وهو ما يُفترض أن يقود (لاحقاً)، وفق تصوّر مروّجيه، إلى تحييد المنطقة عن المعارك، بعد إتمام التعديلات اللازمة على تركيبتها العسكرية (أولاً) و«المدنية (الإدارية)» لاحقاً. ويبدو ما سبق لافتاً، بالنظر إلى الدعوة التي وجّهها زعيم «تحرير الشام» أبو محمد الجولاني، إلى فصائل «الجيش الوطني» بفتح معارك «لتخفيف الضغط عن جبهات حماة»، وتحرّك بعض تلك الفصائل لاحقاً نحو إدلب وريف حماة، وهو ما لم يكن ليحصل لولا «رضى» (أو القبول على مضض) من قبل «تحرير الشام».