جنيف | كان بعض أعضاء وفد الائتلاف السوري المعارض، خصوصاً أولئك الذين لا يتبنّون التطرف الاسلامي أو من هم تحت لواء الإخوان المسلمين، منفتحين ومستعدين للنقاش مع مراسلي وسائل الاعلام التي تقف على الطرف الآخر من الصراع. لكن البعض الآخر حضروا ومعهم نزعتهم المذهبية الى مقر الامم المتحدة في جنيف. لم يتمكن هؤلاء من إظهار أنفسهم كممثلين للشعب السوري بكل أطيافه.
وفي كثير من الأحيان كان يسهو عن بالهم أن أحد أهم الشعارات التي يحملونها لـ«الدولة الجديدة» هو التعددية، بما يعني أن الدولة المنشودة ستحتضن كافة أبنائها بلا تفريق طائفي أو مذهبي.
وكان أكثر هؤلاء انزلاقاً في هذا المستنقع لؤي صافي الذي كان يخرج عن طوره، كناطق إعلامي باسم فريق في مفاوضات تحظى بمتابعة دولية وعليه التزام أعلى معايير الدبلوماسية والاتزان. فقد ظهرت هذه النزعة عندما ردّد، في أكثر من مؤتمر صحافي، أن «حزب الله الشيعي ذهب الى سوريا لمحاربة أهل السنّة»، أو عندما كان يتماهى إلى حد التبنّي الكامل في الإجابة عن أسئلة الصحافيين التابعين لـ«الائتلاف»، الذين يستخدمون دائماً مصطلحات طائفية عندما يتحدثون عن حزب الله، وفي الكثير من الاحيان يعمّمون في هذه المصطلحات فيستخدمون الشيعة بدل حزب الله أو لواء «أبو الفضل العباس»، ودائماً «الذين يريدون مقاتلة أهل السنّة».
وفي حادثة تنمّ عن أن صافي لا يستخدم عبارات التحريض المذهبي كزلة لسان، روى مراسل صحيفة موالية للمعارضة السورية في جنيف أنه حصل على موعد مع صافي لإجراء حوار معه بعد انتهاء المفاوضات السبت الماضي. وفي الموعد المحدد انتقل المراسل الى مقر إقامة صافي في فندق الرؤساء الفخم في «جنيف انتركونتيننتال» حيث استقبله صافي برحابة صدر وابتسامة عريضة، ولكن قبل بدء الحديث حضر شاب وأبلغ صافي، بأسلوب مخابراتي، أن هناك اتصالاً هاتفياً له، علماً بأن الأخير يحمل هاتفين خلويين. في البداية بدت الحيرة والاستغراب على صافي، لكنه رضخ للأمر بعد إصرار الشاب. وبعد دقائق عاد الناطق الاعلامي للقاء الصحافي وقد غابت الابتسامة عن وجهه وحلَّت محلها تعابير التوتر، حاملاً مجموعة أسئلة الهدف منها تأكيد معلومات كان قد حصل عليها للتو من «مخابراته»، ووجهة هذه الأسئلة معرفة هوية المراسل (الطائفية إذا أمكن) وموقفه السياسي ممّا يجري في سوريا. ويبدو أن الناطق باسم المعارضة كان على علم بأن الصحافي من طائفة هاجمها مرات عدة خلال مؤتمراته الصحافية في الامم المتحدة، لذلك رفض إعطاء المقابلة، علماً بأن الصحيفة مقرّبة جداً من المعارضة التي ينطق باسمها.
وربما للمصادفة فقط، أو هي استراتيجية ذات طابع ترويجي (بروباغاندا)، استخدم المتظاهرون الموالون لـ«الائتلاف»، الذين حضروا الى مدخل مقر الامم المتحدة في آخر أيام مفاوضات جنيف، التعابير ذاتها، مع رفع في مستوى التحريض وصل الى حد اتهام السيد حسن نصرالله بأنه شتم أبا بكر وعائشة.
خلف هؤلاء جميعاً يقف «البارون»، كما يسميه الصحافيون العرب في جنيف، وهو عضو الوفد الائتلافي أحمد رمضان (من الإخوان المسلمين سابقاً)، فهو مفتاح الخزنة السعودية ومنها يصرف الائتلافيون بلا حساب في فنادق جنيف ومطاعمها وعلى السيارات الفخمة مع سائقيها. ورمضان كالرجل الخفي، لا يظهر كثيراً في الإعلام، إلا على محطتي «العربية» و«الجزيرة». لا يشارك في الكثير من جلسات المفاوضات، رغم أنه عضو في الوفد، لكنه على علم مسبق بكل ما سيقوم به الفريق المفاوض، وأحياناً يوجه بعضهم عبر خدمة الرسائل القصيرة التي تبقى عملانية حتى داخل القاعة التفاوضية. لا يُرفض لرمضان أي طلب، حتى إن معظم الفريق المفاوض لا يوافق على إعطاء التصريحات الصحافية قبل استشارته.
ورمضان، كلؤي صافي، لا يتوانى عن وضع مشاركة حزب الله في الحرب السورية في الإطار المذهبي و«حرب الشيعة على أهل السنّة». وهو معروف بأنه متطرف جداً في مواقفه، وقد يرفض الحديث مع أي صحافي قبل التأكد من هويته المذهبية. والواضح أن بعض أعضاء الوفد الائتلافي يخافونه الى حد التغيير في مواقفهم، عند حضوره، لتتماشى مع مواقفه، وفي غيابه يستعيدون بعضاً من حرية الكلام.