لا شكّ في أن البعد الوطني من العملية العسكرية التركية في شرقي الفرات أتاح إجماعاً حولها. الجميع ضد وجود كوريدور «إرهابي» على حدود تركيا الجنوبية. وكلّ ما يستطيعه زعيم المعارضة، كمال كيليتشدار أوغلو، هو أن يدعو الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى استكمال العملية بفتح باب اللقاء مع الرئيس السوري، بشار الأسد. في ما يخصّ العملية نفسها، تتباين آراء المحلّلين. يرى الخبير المتقاعد في الجيش التركي، مراد تولغا، أن العملية تسير «تحت الضغط»، وقد أوقعت تركيا في عزلة واضحة. اللاعبون الآخرون لم يقفوا إلى جانب أنقرة كما يجب، بِمَن فيهم حلفاؤها، وهذا يعدّ فشلاً كبيراً للدبلوماسية التركية التي لم تقم بما يلزم لتنسيق المواقف الدبلوماسية لتسير معاً إلى جانب العمل العسكري. ويقول تولغا إن الخطأ الاستراتيجي لا يعالَج بمناورات تكتيكية. الخطأ كان في استبعاد النظام السوري عن المشهد بكامله. كان على أنقرة أن تنسّق قبل العملية مع دمشق التي هي أساس المشهد. لذا يجب أن تبادر تركيا فوراً إلى التواصل مع النظام السوري. ويضيف إن إردوغان يتحدث عن بناء مدن جميلة من خمس طبقات في منطقة آمنة، لكن هذه قد تتحول إلى بؤرة للإرهابيين. والانتصار العسكري المتوقع لن يكون بديلاً من الأبعاد الأخرى الدبلوماسية والمدنية والاجتماعية للعملية، والتي يبدو من الصعوبة بلوغها. وستكون المنطقة الآمنة بمثابة قنبلة في حضن تركيا.ويتوقف الكاتب سادات إرغين، من جهته، عند قول إردوغان إن المجال الجوي السوري لا يعود لأميركا بل لسوريا، متسائلاً إن كان ذلك مؤشراً على تغيير أولي في الموقف من دمشق. ويصف كلام إردوغان عن لقاءات استخبارية بين دمشق وأنقرة بأنه مهمّ لجهة أنه يهدف إلى السلام والاستقرار والرفاهية. ويتابع إرغين أن مؤشرات أخرى، مثل بدء اجتماعات اللجنة الدستورية قريباً والتداعيات التي يمكن أن تخلقها العملية العسكرية، قد تكون تأكيداً على أن مرحلة التواصل السياسي بين أنقرة ودمشق قد اقتربت. ويشير الكاتب سرتاتش إيش، بدوره، إلى أن النتائج الأولى للعملية العسكرية بدأت بالظهور: بعض الدول بدأت تفرض حظراً على بيع السلاح لتركيا، وأخرى أطلسية تسحب بطاريات صواريخها من تركيا. لكن على الصعيد العسكري، فإن تركيا تقود العملية بنجاح تكنولوجي يحدّد مسرح العمليات والتهديد الكامن وراء الحدود، مع ضرورة أن يتواكب ذلك مع دبلوماسية نشطة.
البعد الوطني من العملية أتاح إجماعاً حولها


في الاتجاه نفسه، لا يعتقد الكاتب منصور آق غون أن بيانات وزارة الخارجية التركية وتحركاتها كانت قاصرة عن متابعة العملية، فيما يلفت الكاتب طه آقيول الى أن تركيا لم تردّ على تهديدات واشنطن والرئيس الأميركي دونالد ترامب بتدمير الاقتصاد التركي، على غرار ما كان يفعله إردوغان ضد تهديدات مسؤولي دول آخرين. ويضيف آقيول إن لغة إردوغان تغيّرت وباتت أكثر دبلوماسية، وهذا أمر جيد. أما الكاتب موسى أوز أوغورلو فيرى أن الولايات المتحدة تقوم باستثمار في منطقة شرقي الفرات، لذا كان قرارها إعطاء الضوء الأخضر لتركيا وعدم الدفاع عن «قوات الحماية الكردية» مفاجئاً، بل كانت واشنطن مصرة على عدم اعتراض طريق العملية. ويرجّح الكاتب أن تنسحب قوات «قسد» إلى خط في العمق يجعلها بين كماشة الجيش التركي والجيش السوري. وما لم تفعل ذلك، فهي ستكون أمام مواجهة عسكرية مع الجيش التركي. ويتوقف أوز أوغورلو أمام مصير أسرى «داعش»، ويتساءل عما إذا كانت تركيا ستدخل في مساومات تتيح استثمار عناصر «داعش»، أم أنها ستكون أمام ملف متفجر.
من جانبه، يذكر الكاتب والقنصل السابق في أربيل، آيدين سيلجين، أن إردوغان كان راضياً بسماح واشنطن له بمنطقة آمنة بعمق 32 كلم وعرض 480 كلم. ومع ذلك، فهو اقترح على ترامب توسيع المنطقة للوصول إلى دير الزور والرقة من أجل محاربة «داعش». ولكن هذا الاقتراح قد يبقى معلّقاً في انتظار لقاء إردوغان ــــ ترامب في الشهر المقبل، بحسب ما يحتمل سيلجين، فيما يعرب الكاتب إيلهان أوزغيل عن اعتقاده بأن العملية تسير وفق ما اتُّفق عليه بين إردوغان وترامب، والأخير لم يعط موافقته إلا بعد تعهد الأول بتحمّل مسؤولية مقاتلي «داعش» شرقي الفرات. إلا أن «البنتاغون» لا يتبنى موقف ترامب نفسه، وهو ما قد يسبب متاعب لتركيا. أما الخاصية الأهم، يقول أوزغول، فهي المتعلقة بـ«داعش»، حيث 10 آلاف مقاتل في مخيم الهول، ومعهم حوالى 80 ألفاً من عائلاتهم. وهنا، سيكون أمام تركيا التوغّل جنوباً للوصول إلى المخيم، وتطبيق نموذج إدلب هناك، أي حماية المسلحين من دون التصادم معهم.
ويكتب فهمي طاشتكين أن المخطط في رأس إردوغان واضح، لكن ليس واضحاً العمق الذي ستصل إليه العملية. إذ إن «قوات سوريا الديموقراطية» هدّدت بتحويل خط الحدود إلى جبهة شاملة ضد الجيش التركي. وإذا نفت «قسد» هذا التهديد فستتغير المعطيات. كذلك، يجب ترقب المواقف الأميركية، وما إذا كانت ستتغير أو لا. ويقول طاشتكين إن هناك الكثير من العوامل غير المرئية التي قد تدخل وتفسد مخطط العملية، بينما يركز الكاتب الموالي لإردوغان، خير الدين قره مان، على أن عملية «نبع السلام» أفسدت مخططات الغرب وإسرائيل، وأن الفضل في ذلك يعود لإردوغان وفريقه، معتبراً أن العملية حالت دون المضيّ في تطبيق خريطة التقسيم.