الحسكة | بأسرع مما كان متوقعاً، وبعد 12 يوماً من بدء الهجوم التركي، أنجزت «قوات سوريا الديموقراطية» انسحاباً كاملاً من مدينة رأس العين في ريف الحسكة، لتدخلها فصائل «الجيش الحر» الموالية لأنقرة، في ما اعتُبر إتماماً للمرحلة الأولى من الهجوم الذي يستهدف المنطقة الممتدة بين رأس العين وتل أبيض. وجاء انسحاب «قسد» من رأس العين بعد تنسيق ميداني مع الجانب الأميركي، وفق اتفاق وقف إطلاق النار الذي أُعلن عنه منذ 3 أيام، وتضمّن السماح لتركيا بالسيطرة على المدينة الحدودية، وإلزام القوات الكردية بالانسحاب من منطقة العمليات العسكرية التركية.وتؤدي السيطرة التركية على رأس العين إلى قطع أهم طريق يربط مناطق «الإدارة الذاتية» الكردية في محافظتَي الحسكة ودير الزور، بمناطقها في الرقة وريف حلب، ليبقى طريق الرقة القديم (طريق أبيض) يربط بعضها بالبعض الآخر. كما أن دخول المدينة يعني السيطرة على أكثر من 160 كلم بين رأس العين وأطراف عين عيسى، وبعمق يتراوح بين 20 و30 كلم، بما فيه الطريق الدولي من عالية في ريف الحسكة حتى أطراف مدينة عين عيسى غرباً. ويؤشر انسحاب «قسد» من رأس العين إلى استمرار رغبة القوى الكردية في التنسيق مع الولايات المتحدة، على رغم تتالي مؤشرات الانسحاب الأميركي الكامل من الأراضي السورية. وقال القائد العام لـ«قسد»، مظلوم عبدي، لوسائل إعلام فرنسية، إن «قواتهم ترغب في استمرار وجود الدور الأميركي في سوريا لخلق توازن على الأرض»، معتبراً أن «قواتهم اضطرت إلى التنسيق مع النظام وروسيا بعد إعلان الانسحاب الأميركي»، لافتاً إلى «تمسّكهم بخصوصية قواتهم كجزء من منظومة الدولة السورية من خلال استمرار عملها في مناطق وجودها وبإشراف جيش النظام السوري».
يرجّح أن تكون الـ48 ساعة المقبلة حاسمة لجهة تجدّد العملية العسكرية التركية من عدمه


وربّما تؤشر هذه التصريحات إلى عدم استعجال القوى الكردية إتمام تحالف كامل مع الحكومة السورية، واستمرارها في التعويل على الجانب الأميركي في حفظ بعض مكاسبها السياسية والعسكرية. لكن السعي الكردي إلى التنسيق على جبهتين متضادتين، الأولى مع واشنطن ومن خلالها مع أنقرة، والثانية مع دمشق وموسكو، يهدّد بخسارة المزيد من الأراضي لصالح الأتراك، إذ تفيد المعطيات الميدانية بقيام الأتراك بالدفع بتعزيزات باتجاه مدينة الدرباسية الحدودية وكامل الشريط الحدودي باتجاه رأس العين، ما يهدد بتجدّد العملية العسكرية بعد انتهاء فترة تعليقها يوم غد الثلاثاء. وفي هذا السياق، تؤكد مصادر مطلعة على مسار المحادثات بين الأكراد وروسيا، لـ«الأخبار»، أن «الأكراد يصرّون على أن يكون الوجود العسكري للجيش السوري رمزياً ومحدوداً، مع استمرار القوة العسكرية لقواتهم في المنطقة»، لافتاً إلى أن «هذا الموقف غير مقبول من الأتراك، الذين يصرّون على إخلاء عسكري وسياسي كامل لقسد والإدارة الذاتية على كامل الشريط الحدودي». ويضيف المصدر أن «الأكراد رفضوا انتشار الجيش السوري في مدينة اليعربية ومعبرها الحدودي مع العراق»، متابعاً أن «دخول الجيش السوري إلى الشريط الحدودي من المالكية حتى الدرباسية كان محسوماً، لولا استمرار الأكراد في التعويل على الأميركيين».
إزاء ذلك، يرجّح أن تكون الـ48 ساعة المقبلة حاسمة لجهة تجدّد العملية العسكرية التركية من عدمه، إذ إن تلك الساعات ستشهد لقاءين مهمّين: الأول بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، والثاني بين قيادات عسكرية روسية وقادة أكراد في القامشلي. ومن المتوقّع أن تتحوّل مهمة التنسيق بين أنقرة والأكراد إلى الجانب الروسي، بعد أن ينجز «التحالف الدولي» انسحابه، ما سيكون حاسماً لجهة فتح جبهات عسكرية، أو انتشار الجيش السوري على كامل الشريط الحدودي من المالكية حتى الدرباسية بطول قرابة 240 كلم. كذلك، يتوقع أن يشهد هذا الأسبوع وصول فرق الشرطة العسكرية الروسية للانتشار في محافظة الحسكة، في خطوة ستشكّل أول ظهور لها في هذه المحافظة منذ بداية الحرب على سوريا. وسيعني هذا الانتشار تحوّل مناطق شرق وشمال سوريا إلى مناطق نفوذ لموسكو، التي ستكون اللاعب الرئيس في التنسيق بين مختلف الأطراف، علماً بأنها دائماً ما تؤكد حرصها على إنجاز تسليم سلمي لتلك المناطق إلى الدولة السورية. وترجّح مصادر سورية متعددة أن يعمد الروس إلى «دمج الأكراد في الجسم العسكري للجيش السوري، من خلال الفيلق الخامس التطوعي، في استنساخ لتجارب سابقة في المنطقة الجنوبية». لكن مصدراً كردياً يرفض في حديث إلى «الأخبار» أيّ دمج عسكري مع الجيش السوري، مؤكداً أن «لا تنازل عن ضرورة الحفاظ على الدور العسكري وخصوصية قوات قسد والأسايش بالتنسيق مع الحكومة السورية».