لم يشهد يوم أمس تطورات ميدانية لافتة على خطوط التماس في محافظتَي إدلب وحلب، فيما احتلّت التسجيلات التي وثّقت معارك اليومين الماضيين حيّزاً واسعاً من المشهد، لإظهارها محاولة قوات الاحتلال التركي والفصائل العاملة تحت إمرته استهداف طائرة حربية روسية من طراز «SU-24»، بصاروخ مضادّ للطائرات يُرجّح أنه من طراز «Stinger». وفشلت محاولة إصابة الطائرة المقاتلة، بعدما تنبّه قائدها للصاروخ واتخذ الإجراءات الدفاعية اللازمة. ووفق ما أوضح مهتمون بتحديد المواقع باستخدام الصور الجوية، فإن مكان إطلاق الصاروخ المضادّ (على ما أظهرته التسجيلات) هو نقطة تجمّع للقوات التركية على الطريق الواصل بين مدينة إدلب وبلدة قميناس. كما أن أفراداً من الجيش التركي هم مَن نفذوا عملية الإطلاق.وفي موازاة نشر هذا التسجيل، الذي وثّقته الفصائل العاملة مع الجيش التركي، أظهرت لقطات جوية استهداف سلاحَي الجو السوري والروسي نقطة إطلاق الصاروخ والمواقع المحيطة به قرب قميناس، وصولاً إلى محيط بلدة النيرب. وبيّن التسجيل المصوّر باستخدام طائرات مسيّرة الخسائر الكبيرة التي تَكبّدها الجيش التركي والفصائل العاملة معه، ولا سيما من الآليات المدرّعة. وإلى جانب ما سبق، انتشرت، أمس، عدّة تسجيلات مصوّرة تُظهر بوضوح الدعم العسكري التركي المباشر بالمدفعية والصواريخ لهجمات الفصائل على مواقع الجيش السوري في محيط سراقب. وتدعم هذه التسجيلات ما أعلنته وزارة الدفاع الروسية، أمس، في بيان، عن الدعم التركي المُقدّم إلى «تنظيمات متطرفة»، ولمرّات متعددة. وبدا لافتاً أن موسكو تعمّدت، عبر البيانات والتسريبات التي خرجت منها، ترك هامش لـ«شريكتها» في التفاوض، أنقرة، كي لا تضطرّ إلى اتهام الجانب الروسي (علناً) بالضلوع في استهداف جنودها، بما يحمله ذلك من احتمالات خطيرة.
كان ينتظر أن يُترجم هذا «الكباش» الإعلامي بعد العسكري، في بازار التفاوض الهاتفي بين الرئيسين التركي والروسي أمس، والذي انتهى ببيانين (من الرئاستين التركية والروسية) يتفقان على «تعزيز التشاور وخفض التصعيد والوصول إلى وقف إطلاق نار»، ويتفارقان في إصرار موسكو على «وقف الأعمال العداونية للجماعات المتطرفة... والاحترام غير المشروط لاستقلال ووحدة الأراضي السورية»، مقابل تركيز أنقرة على «كبح هجمات النظام... والعودة إلى اتفاق سوتشي (بقاء النقاط التركية وانسحاب الجيش السوري)». وجاء اتصال الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان (وهو الثالث بينهما هذا الشهر)، عقب مكالمة أجراها الرئيس التركي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وكان الأخيران اتصلا بدورهما أمس ببوتين، الذي أكد لهما - وفق «الكرملين» - ضرورة «وقف هجمات الجماعات المتطرفة». وذهبت بعض الأوساط التركية إلى الحديث عن وجود مقترحات بعقد قمة رباعية بين زعماء روسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا، لنقاش تطورات إدلب ومجمل الملف السوري، وهو ما دعمه فحوى اتصال الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية، بأردوغان، وطرحهما هذا اللقاء.

«باتريوت» إلى تركيا أم العراق؟
ما غاب عن التصريحات الإعلامية، كان ملف الطلب التركي نشر بطاريات «باتريوت» تحت مظلّة «حلف شمال الأطلسي»، لدعم عمليات الجيش التركي في سوريا، وخاصة في إدلب. إلا أن القضية نفسها عادت إلى الواجهة ليل أمس، مع رصد متابعين لحركة الطائرات، خمس طائرات نقل عسكرية أميركية من طراز «Boeing C-17» فوق الأجواء الأوروبية. ووفق المعلومات المتوفرة عن مسار تلك الطائرات، فقد انطلقت من قاعدة «أندروز» (الجوية ـ البحرية) في ولاية ماريلاند الأميركية، وتوقفت للتزوّد بالوقود في قاعدة «رامشتاين» الأميركية في غربي ألمانيا، قبل استكمال طريقها باتجاه الأجواء التركية. وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم يُتَح التحقق من وجهة الطائرات النهائية، غير أن ترجيحات قالت إنها قد تتّجه نحو قاعدة إنجرليك الجوية، أو نحو العراق. وعزّز هذا التطوّر التساؤلات حول الموقف الأميركي من طلب أنقرة نشر منظومة «باتريوت»، ولا سيما أن تلك الطائرات الخمس قادرة (وسبق أن استخدمت) لنقل بطاريات من منظومة الدفاع الجوي ذاتها. غير أن الحديث الأميركي سابقاً عن التحضير لتعزيز الدفاعات الجوية في العراق، يرجّح أن تكون الوجهة النهائية إلى هناك.