أكثر من 15 قرية في عمق جبل الزاوية، دخلها الجيش، أمس، ليصبح قريباً جداً من حصار جبل شحشبو والنقطة التركية الموجودة ضمنه، فيما تجرى معارك عنيفة في محيط سراقب، تريد لها تركيا أن تحسّن شروط تفاوضها مع موسكو وتمهّد لانتهاء «مهلة شباط». على هامش تلك المعارك، قتل جنديان تركيان وجرح اثنان آخران بغارات جوية، وفشل «عسكر أنقرة» في إسقاط طائرات سورية وروسية فوق إدلب، رغم محاولات ثلاث متتالية.انتهى اليوم الأول من جولة المحادثات الروسية ــــ التركية الثالثة، على وقع تطورات ميدانية لافتة ومتسارعة، وضعت الجيش السوري على بعد خطوة واحدة من حصار جبل شحشبو ودخول أبرز ما بقي خارج سيطرته من بلدات جبل الزاوية، وأوصلت الفصائل التي تقاتل تحت راية أنقرة، إلى أعتاب سراقب والطريق الدولي بين حلب وحماة (M5). وحتى ساعة إعداد هذا التقرير، كان الجيش قد دخل بلدة كفرعويد ومحيطها الجنوبي، بما في ذلك بلدتا سفوهن والفطيرة، اللتان تعدان أهم مفاتيح الدخول إلى جبل شحشبو، وبذلك باتت مسألة حصار الجبل ومحيطه مسألة وقت. ويعني ذلك، بمجرد إتمامه، حصار نقطة المراقبة التركية في شير مغار، لتضاف ــــ حينها ــــ إلى باقي النقاط المحاصرة من مورك جنوباً حتى ريف حلب الغربي شمالاً. كذلك سيتيح ذلك سيطرة الجيش على بلدات سهل الغاب المحاذية للجبل من الغرب، وصولاً إلى أطراف المنصورة في الشمال، وهو ما يعني أن خط الاشتباك سيصل إلى أطراف الطريق الدولي حلب ــــ اللاذقية (M4) في محيط جسر الشغور.
الوقائع الميدانية في ريف إدلب الجنوبي تقود إلى نتيجة واحدة، مفادها أن الجيش في طريقه إلى السيطرة على كامل المنطقة الواقعة جنوب طريق حلب ــــ اللاذقية، كمرحلة أولى، على أن تنتهي الخطوة بتأمين الطريق كاملاً، وهو ما قد يكون دونه (مرحلياً) معاركُ عنيفة بين جسر الشغور وريف اللاذقية الشمالي. ويطرح ما سبق تساؤلاً مهماً غصّت به صفحات وحسابات محسوبة على الفصائل المسلحة المدعومة تركياً، أين التعزيزات والدعم التركي لمعارك جبل الزاوية وجنوب الطريق الدولي؟ الجواب أتى ضمناً، فيما اهتم بنشره عدد من الناشطين المرافقين لقوات الاحتلال التركية في ريفَي إدلب وحلب، وهو أخبار معارك محيط سراقب. إذ ركّزت أنقرة دعمها الميداني على هذه الجبهة، دون غيرها، منذ أكثر من أسبوع؛ ما أتاح للفصائل خلال اليومين الماضيين دخول عدة بلدات في محيطها الغربي والإشراف على الطريق الدولي حلب ــــ حماة من بلدة آفس، دون السيطرة على أي من نقاطه.
يعزو البعض تركيز أنقرة على جبهة سراقب، إلى حاجتها لاستعادة «هيبة» كسرها دخول الجيش بدعم روسي إلى المدينة سابقاً، متجاهلاً وجود ما يزيد على 5 نقاط مراقبة تركية في محيطها. إلا أن ذلك لا يعكس الصورة كاملة، فالمعارك الجارية هناك يتردد صداها في أروقة التفاوض (مع موسكو) الجاري في أنقرة حالياً، والذي انعقد أمس ويفترض استكماله اليوم. إذ يحاول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تحسين شروط تفاوضه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وخاصة أنه لم يجد ما رامَ في واشنطن، وتحديداً إثر طلبه العلنيّ منظومة «باتريوت». وإلى جانب دعم الفصائل بالمدفعية والمعلومات الاستخبارية ونزع الألغام والدبابات والصواريخ المضادة الدروع، حاول الجيش التركي وفشل، ثلاث مرات متتالية أمس، في إسقاط طائرات حربية سورية وروسية فوق إدلب، عبر إطلاق صواريخ مضادة للطائرات؛ ولم يُنشر، أمس، أي تسجيل لعملية الاستهداف، باستثناء شريط أظهر طائرة روسية من طراز «Su-34» وهي تنفذ إجراءات مضادة للصواريخ. وفي ساعة متأخرة من ليل أمس، أعلنت وزارة الدفاع التركية مقتل عسكريين وإصابة اثنين آخرين، من قواتها المنتشرة في إدلب، إثر غارة جوية استهدفت مواقعهم. «التصويب» على روسيا في سماء إدلب، جاء ــــ كما في الميدان ــــ على لسان الرئيس التركي، في كلمته أمس أمام نواب من كتلة «العدالة والتنمية» في البرلمان؛ إذ قال إردوغان إن «مشكلتنا الأكبر حالياً هي أنه لا يمكننا استخدام المجال الجوي» فوق إدلب، والذي تسيطر عليه روسيا، مضيفاً القول: «بإذن الله، سنجد حلاً في وقت قريب». وكرر إردوغان دعوته إلى دمشق «لوقف هجماتها في أقرب وقت ممكن» والانسحاب إلى «الحدود التي أقرّها اتفاق سوتشي... خلف نقاط المراقبة» التركية. وأضاف: «نخطط لتحرير نقاطنا بحلول نهاية هذا الشهر (السبت المقبل)... بطريقة أو بأخرى». ورداً على سؤال حول احتمال شراء تركيا منظومة «باتريوت» الأميركية، قال إردوغان: «قدمنا عرضنا إلى الولايات المتحدة للحصول على منظومة باتريوت، وأبلغناهم استعدادنا لشرائها، لكن المعلومات المتوافرة لديّ حالياً تفيد بأن واشنطن غير راغبة في بيع تركيا هذه المنظومة».