سوريا: آذار رابع... ولا ربيع | ريف دمشق | يقتضي الانتقال من شارع إلى آخر مجاور، في مدينة دمشق وريفها، المرور على حاجز عسكري أو أكثر للجيش أو لأجهزة الأمن. وغالباً ما تكون مسألة حصول أي شخص على معلومة ما، من خلال توجيه أسئلة الى مدنيين أو عسكريين، أو التقاطه صوراً في الأماكن العامة، محفوفةً بمخاطر تصنيفه، استخبارياً أو إعلامياً، على جهات معادية للدولة. ولكن رغم كل ذلك، يواصل مراسلو وسائل الإعلام المعارضة، السورية والأجنبية، نقل الأخبار والمعلومات المرئية والمسموعة والمكتوبة، من قلب العاصمة دمشق، وأريافها.
مراسلون كُثر يتوزّعون في أحياء دمشق، وعلى جبهات الريف المختلفة، يتبعون لقنوات إعلامية معارضة، ولمواقع وصفحات التواصل الاجتماعي التابعة للمعارضة، التي تكاثرت على نحو واسع في الأعوام الماضية الثلاثة، كقناة «أورينت» وصفحة «الثورة السورية» على «فايسبوك»، وقنوات «صفا» و«وصال» و«سوريا الشعب» و«سوريا الغد» وغيرها، إضافة إلى القنوات الإعلامية العربية والأجنبية الداعمة للمعارضة، التي مُنعت من العمل على الأراضي السورية مع بداية الأزمة، كـ«الجزيرة» و«العربية» و«فرانس 24»... إلخ.
معظم مراسلي هذه الوسائل الإعلامية يعملون في الخفاء، أما القلّة منهم التي تعمل في العلن فتنحصر في «المناطق المحرّرة»، فيما تتوزّع مكاتبها وغرف الأخبار بين عواصم ومدن دول الجوار والإقليم، في إسطنبول وبيروت وعمّان والرياض والدوحة ودبي وغيرها، وهو الوضع السائد منذ أن منعت الحكومة السورية عمل هذه الوسائل على أراضي الجمهورية، «لكونها باتت وسائل إعلام حربي ضدّ الدولة السورية، ورمز سيادتها المتمثل في الجيش. وما من عاقل يقبل بوجود إعلام العدو العسكري على أراضيه، مصدّقاً الأحاديث المنافقة عن الحياد والموضوعية»، بحسب مصدر في وزارة الإعلام السورية.
وقد دفع هذا الإجراء وسائل الإعلام هذه إلى تدريب كادر سوري على العمل الصحافي الميداني والتعامل مع أجهزة الاتصال الحديثة، نظراً الى صعوبة دخول الكوادر الأجنبية إلى الأراضي السورية. وبحسب مصادر معارضة، جرى إخضاع مئات الشباب السوريين المعارضين لدورات إعلامية مكثّفة، في إسطنبول وبيروت على نحو رئيسي. إلّا أن الدورات لم تقتصر على التدريب الإعلامي فقط. يقول حسن الميداني (اسم مستعار)، الذي خضع لدورة تدريبية في إسطنبول، لـ«الأخبار»: «الى التدريب على التحرير والريبورتاج والمونتاج والتصوير»، وهي عمليات يفترض أن يتقنها جميع المتدربين، «كان يجري وصل بعض المتدربين بشبكات إعلامية وعسكرية معارضة في الداخل، لتسهيل التواصل والتنقّل، ولحل العقبة الأكبر في عمل الإعلاميين والمتمثّلة في الدخول أو الخروج من المناطق المحرّرة». ويشرح حسن بعضاً من التقنيات التي يجري تدريسها؛ فعلى سبيل المثال، لتصوير بعض الأحداث التي ليس المطلوب من نقلها سوى التوثيق أو تثبيت رواية إعلامية محدّدة، تستخدم كاميرات صغيرة، مثل كاميرا الهاتف الجوال، أو كاميرا على هيئة قلم عادي للكتابة يبرز طرفه فقط من جيب المصور، و«استخدمت هذه الطرق في تصوير المظاهرات سابقاً، أو التوزعات العسكرية أو الأمنية في الشوارع أو المناطق التي تسيطر عليها الدولة». ويشير حسن إلى أنّ «المهام الخاصة» الإعلامية، التي تتعلق بالتواصل مع المسلّحين، لا توكل إلى كلّ المتدربين، ولا يجري الحديث عنها على نحوٍ مباشر أثناء المحاضرات التي تقتصر على الجانب التقني فقط، و«أحياناً تتضمّن شيئاً من التعبئة السياسية. أحد الأساتذة كان لبناني الجنسية، ويكنّ الكثير من الكره للنظام السوري، كان يقضي ثلاثة أرباع المحاضرة حديثاً في السياسة، ويشرح محاضرته على عجل في نهاية الوقت».
وأخيراً بثّ التلفزيون السوري الرسمي اعترافات شيار خليل، مراسل قناة «أورينت» في دمشق وريفها، بعد إلقاء القبض عليه في سوق ساروجا، وسط دمشق، في أحد المقاهي، ومعه كلّ المعدّات الإعلامية والبيانات التي حصل عليها خلال فترة عمله. وحظي ظهوره على التلفزيون السوري، كمراسل لقناة «مغرضة»، على حدّ توصيف الإعلام الرسمي السوري، بمتابعة واسعة من شرائح متعدّدة من الجمهور السوري، والسبب كان في حضور عنصر المصداقية إلى درجة عالية في اعترافات شيار، فكل اعتراف أدلى به كان موثقاً بالصوت والصورة، فهو تلقّى تدريباً في إسطنبول، وتمكّن من الدخول إلى الغوطة الشرقية ومتابعة أحداثها، وأجرى مقابلات مع زعماء المسلّحين، وفي أحد الفيديوات التي عرضها تقرير التلفزيون السوري، يظهر مسلّحون من «الجيش الحر» يفبركون اشتباكاً زعموا أنه يجري في مواجهة الجيش السوري، إضافة إلى فيديوات شخصية يظهر فيها شيار وأصدقاؤه منهمكين في العمل على إعداد الأخبار والتقارير. وفي المقابلة نفسها، يشير شيار إلى أن استمالة الكثير من الشباب إلى هذا العمل، الذي يحمل الكثير من المخاطر، تأتي عادة في مقابل حصولهم على دخل يعدّ عالياً في سوريا، كرقم 1500 دولار، قابلة للزيادة. وإلى أن تهريب المعدات إلى داخل «المناطق المحرّرة» يجري بالطريقة ذاتها، إذ يقوم إعلاميّو المعارضة بدفع مبالغ نقدية، تتراوح بين مئات وآلاف الدولارات (ألف دولار وسطياً)، لأشخاص يتنقّلون بين أحياء دمشق والريف الآمنة والأخرى المشتعلة، لتهريب كاميرا على سبيل المثال، عبر وضعها تحت مقعد سائق سيارة، في صندوق يبدو من الخارج كجزء من محرّك السيارة.وكان العمل الإعلامي المعارض سابقاً، في بداية الأحداث، قد بدأ على نحوٍ غير منظّم، بحسب المتابعين، إذ شاعت وقتذاك ظاهرة «شهود العيان»، وكان بمقدور أي شخص الاتصال ببساطة بأي قناة وتقديم تقرير كـ«شاهد عيان»، باسم مستعار أو حقيقي. وتروي إحدى العائلات في دمشق لـ«الأخبار» قصة ابنها الذي كان يبلغ يومها 15 عاماً، إذ فوجئ والدا هذا الشاب بظهور اسم ابنهما على قناة «الجزيرة» كشاهد عيان يروي وقائع إحدى المظاهرات. بحثا فور ذلك عن مكان ابنهما في البيت، ليجداه في غرفته يحدّث «الجزيرة» من جواله الخاص، بعد أن أخذ الرقم مباشرة من على شاشة القناة التي أعطاها اسمه الصريح، غير مدرك لعواقب الأمر.