بعدما دفعت أروى، ربّة المنزل والأم لطفلين، فاتورة كبيرة في سنوات الحرب، اضطرت تحت ضغط أزمة "كورونا" وارتفاع تكاليف المعيشة وتدهور الأجور، إلى بيع معظم مدّخراتها الذهبية وصرف ما جنته من مال قليل بعد 7 سنوات من الزواج. تقول أروى لـ "الأخبار": "مع إغلاق المطاعم في دمشق خلال الفترة الماضية، فقد زوجي مصدر رزقه الوحيد. كان يتقاضى نحو 90 ألف ليرة شهرياً فقط مقابل عمله في إعداد النراجيل، مبلغ بالكاد يكفي لسدّ الاحتياجات اليومية".تتحدث وهي شاردةٌ وشاحبة الوجه: "أحياناً أحرم نفسي من الطعام كي يشبع أطفالي (...) ما يقلقنا هو تأمين الإيجار الشهري" لمنزل صغير في حي من العشوائيات المتلاصقة، يتكوّن من غرفة واحدة صغيرة حيث تأكل العائلة وتجلس وتنام فيها، إلى جوار مطبخ ضيق وحمام يضم مرحاضاً بداخله. تقول أروى: "أهلي وأهل زوجي ليسوا أفضل حالاً منا ليساعدونا (...) ومعظم المنظمات الإنسانية أوقفت المساعدات".

عمل رغم المخاطر
سالم، ابن الأربعين عاماً والأب لثلاثة أولاد، نجا من الموت بعدما صعقته الكهرباء قبل أقلّ من عام أثناء عمله في تجهيز التمديدات الكهربائية والصحية لإحدى الشقق في معضمية الشام. تسبّب سقوطه بعدة إصابات في جسده، علاوة على كسور في عظام رجله، أجرى على إثرها عمليات جراحية لتركيب صفائح معدنية في قدميه.
يستذكر سالم تفاصيل تلك الحادثة ويقول: "رغم عدم شفائي كلياً حتى اليوم عدت مضطراً للعمل (...) الجلوس في المنزل ليس حلاً للفقراء أمثالنا". وخلال فترة حظر عمل بعض المهن ومنها أعمال البناء، ضمن إجراءات الحكومة للاحتراز من جائحة "كورونا"، لم يتوقف سالم عن العمل في الشقق السكنية.
يشير أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب، الدكتور حسن حزوري، إلى أن كل الطبقات الاجتماعية تأثّرت بإجراءات الحجر الصحي. ويرى أن التأثير الأكبر سيكون على أصحاب المهن الحرة أو العاملين بالقطاع الخاص، أي العمال الذين يؤمّنون مصدر رزقهم بشكل يومي ولا يوجد لديهم أي تأمين اجتماعي. وينوه حزوري إلى أن قسماً كبيراً من العائلات السورية يعتمد على الحوالات الخارجية، التي انخفضت بشكل كبير جداً، ما انعكس سلباً على حياة تلك الأسر.
ورفعت الحكومة أخيراً، جزءاً من الإجراءات الاحترازية، إذ سمحت لبعض المهن بالعمل مجدّداً مع تطبيق الشروط الصحية وقبل فترة الحظر من الساعة السابعة والنصف مساء حتى السادسة صباحاً من كل يوم.

مبادرات مجتمعية
يثني عمر، الذي يسكن في دُمّر، في حديثه إلى "الأخبار" على المبادرات المجتمعية التي تكلّلت بتقديم مساعدات مالية وغذائية مباشرة إلى بعض المحتاجين، إذ أقبل عدد من الميسورين مادياً على تقديم مبالغ (نحو 25 ألف ليرة) إلى جانب سلة غذائية إلى بعض العوائل في منطقته، وهو أمر تكرّر في الأحياء الأكثر فقراً بعدة مدن سوريّة مثل حلب.
وفي مبادرات مماثلة جرى توزيع الخبز مجاناً على المواطنين لعدة أيام في بعض المناطق. وأوضح أحد معتمدي بيع الخبز في دمشق بأن أحد التجار اشترى منه كل الخبز لديه، شريطة توزيعه على الناس بالمجان.
يقول علاء خطيب، مدير القسم الإعلامي في جمعية "نور للإغاثة والتنمية"، والتي أطلقت حملة "من إيدك أحلى" لجمع التبرعات ومساعدة الفئات الأكثر فقراً، إنه "تم توزيع عدة سلل غذائية وصحية في المحافظات الجنوبية، دمشق وريفها والسويداء والقنيطرة". ولفت إلى أن ذلك يتم من خلال الرسائل التي ترد إلى صفحات الحملة والجمعية على وسائل التواصل الاجتماعي، ليقيّمها الفريق ويقوم بدور الوسيط بين المتبرّعين والمحتاجين. يقول خطيب إن "البعض في وصف حالته، لكن معظم الحالات تستحق المساعدة، ولا سيما بعد نحو 10 سنوات حرب".
وعن دور رجال الأعمال والأثرياء، يرى خطيب أنه "لا يمكن تعميم أيّ حالة، فهناك من أعطى وساهم وبادر بنفسه للتبرّع، وهناك من اعتبر أن لا علاقة له بما يجري".