دمشق | لا يكاد يخرج المواطن السوري من مأزق «طوابير» الغاز، حتى يقع في محنة جديدة أكثر حدّة. في الأول من الشهر الجاري، خرجت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بقرار زيادة السعر الرسمي المدعوم لمادتي السكر والأرز بأكثر من 100 في المئة، ما وضع المواطن السوري مجدداً أمام معركة النجاة من الوقوع تحت خط الفقر، وعكس تخبطاً واضحاً في السياسة الاقتصادية الحكومية، إذ سبقت إعلان رفع الأسعار تأكيدات حكومية «جازمة»، الشهر الماضي، بعدم وجود نية لرفع الأسعار. ولم تمضِ أكثر من 24 ساعة حتى سحبت الحكومة القرار وتراجعت عنه، واكتفت برفع الأسعار بنسبة 50 في المئة تقريباً، ليصبح سعر الكيلو الواحد من السكر 500 ليرة سورية، بعد أن كان 350 ليرة عبر البطاقة «الذكية»، و600 ليرة لكيلو الأرز الواحد، الذي كان بسعر 400 ليرة قبلاً.وتسوق الوزارة العديد من الحجج لتبرير قرارها الملغى، في مقدمتها تعديل سعر الصرف الذي أقرّه مصرف سوريا المركزي على إجازات الاستيراد، فيما بقيت أجور الموظفين على حالها بلا أي زيادة تتناسب والرفع المباغت، الأمر الذي يعكس انعدام التنسيق بين الهيئات والوزارات من جهة، وانعدام القدرة على اتخاذ القرارات الاقتصادية الصحيحة من جانب الفريق الاقتصادي من جهة أخرى، فيدفع المواطن ضريبة انعدام التنسيق والفشل. وفي سياق يتناسب مع التخبط الحكومي، فوجئت مديرة صالة تابعة لـ«السورية للتجارة» في إحدى مناطق دمشق، فضّلت عدم ذكر اسمها، بزيادة أسعار السكر والأرز بنسبة 100 في المئة، من دون إخطارها بمبررات الرفع، ما سبّب لها حرجاً كبيراً أمام الزبائن. وتوضح المديرة أنه «في مطلع الشهر الحالي، تفاجأتُ بصوت أحد الزبائن يعلو في أرجاء الصالة غاضباً، إثر رفع سعر كيلو السكر إلى الضعف، والذي وصل إلى 700 ليرة (...) حاولتُ إفهامه أن لا ذنب لنا، ولسنا المسؤولين عن ذلك، ولا علم لنا على الإطلاق بهذا الرفع، وأننا متفاجئون مثله تماماً، لكنه لم يصدّق». كما تؤكد أن «معظم الزبائن امتنعوا عن الشراء وأرجؤوه إلى حين انخفاض الأسعار، أمّا من اشترى بالسعر الجديد، فكان مضطراً إلى السلعة، ويفضّل شراءها من هنا، بدل دفع ثمنها مضاعفاً في المتاجر الغذائية الخاصة».
معظم الزبائن امتنعوا عن شراء السلعتين وأرجأوا ذلك إلى حين انخفاض الأسعار


الباحث في الشأن الاقتصادي عمار يوسف يصف إدارة الأزمة الاقتصادية بـ«المتخبّطة»، ويقول إن «الفريق الاقتصادي الحكومي منفصل عن واقع المواطن، فضلاً عن العجز التام عن السيطرة على حالة التذبذب في سعر الصرف، وما يرتبه على الأسعار من سلسلة ارتفاعات وانخفاضات متلاحقة، يرتفع فيها سعر الدولار 20 في المئة مثلاً، فيقابله ارتفاع في الأسعار بنسبة 40 في المئة، بينما في حال شهد سعر الصرف انخفاضاً، تبقى الأسعار على حالها، إلى حين ارتفاعه مجدداً لترتفع معه». أمّا الباحث الاقتصادي شادي أحمد، فيتجنّب تحميل المسؤولية للأجهزة الحكومية، ويذهب إلى إلقاء اللوم على قانون «قيصر» والحصار الاقتصادي المحكم على البلاد، إضافة إلى «ضعف التوريدات الخارجية والتبدّلات الكبيرة في سعر الصرف الذي وصل إلى 3 أضعاف». ويتابع: «الأولوية، في ظل هذه الظروف الاقتصادية تكون لصالح تأمين المادة أوّلاً، ثم يأتي بعدها تحديد السعر المناسب لها». ويصف أحمد قدرة الحكومة على ضمان استمرار تدفق هذه المواد الأساسية إلى سوريا عبر التجار بـ«الخطوة الممتازة»، في ظل الحصار المطبق.

الحمية... غصباً!
في ظل الغلاء المطّرد في أسعار السلع، وأخيراً رفع سعر السكر والأرز المدعومَيْن، قرّرت ناهد (أم لطفلين) اتباع حميات خالية من السكر، وإدخالها في النظام الغذائي لعائلتها، في محاولة منها لتقليل المصروف أوّلاً، ثم استغلال الظرف الصعب لإنقاص وزنها، ولو مرغمة. وتوضح: «نستهلك كميات قليلة من السكر، لكن مع ذلك قرّرت إلغاءها كلياً لوجود أولويات أخرى، كالحصول على الزيت مثلاً... وبدل تحلية الشاي عند وجبة الفطور بالسكّر، استبدلتها بملعقة دبس تمر محلّى كنت قد ادّخرته منذ سنوات». وتضيف: «كما أنني أواسي نفسي بنفسي بالقول إنها فرصة مناسبة للتخلص من الوزن الزائد والحصول على جسم رشيق». وبالنسبة إلى «أبو إبراهيم»، الذي يحبّ تناول السكريات بكثرة، فهو قد لجأ إلى سياسة «الملعقة الواحدة»، وذلك بالاكتفاء بتحلية مشروبات الشاي والقهوة والزهورات بها، بدلاً من ثلاث ملاعق.

حصص «هزيلة»
تستهلك شذى قرابة 12 كلغ من الأرز شهرياً، غير أن البطاقة «الذكية» تمدّها بثلاثة فقط، وفقاً لعدد أفراد أسرتها المكوّنة من ثلاثة أشخاص. وبذلك، تضطّر إلى شراء البقية من المحال التي يصل ثمن السلعة فيها إلى الضعف وأكثر، بحسب جشع البائع و«مزاج الدولار». وتصف شذى الحصص الغذائية بـ«الهزيلة»، وتعتبر أنها لا يمكن أن «تسدّ جوع عائلة لشهر كامل، ولا سيما أن الأرز مادة أساسية في وجباتنا اليومية لا يمكن الاستغناء عنه».