يبدو أن الحرائق المئة التي اندلعت العام الماضي لم تكن كافية للفت انتباه وزارة الإصلاح الزراعي إلى ضرورة اتخاذ التدابير الاحتياطية لتجنّب تكرارها هذا العام، ولا سيما أن الحرائق باتت تضرب مواعيد ثابتة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من كلّ عام، أي إنها لم تعد حدثاً مفاجئاً من شأنه أن يُكبّل أيدي المعنيّين في التعاطي مع هذه الكارثة الطبيعية.لليوم الرابع على التوالي، لا تزال ألسنة اللهب تلتهم مساحات كبيرة من الأراضي الحرجية والزراعية في عدد من المناطق السورية، حيث ابتدأت الحرائق الأخيرة في غابات صلنفة في محافظة اللاذقية، ثمّ امتدّت إلى جبال مصياف وحمص وحماة. بذلت فرق الإطفاء جهوداً كبيرة لمحاصرة الحرائق، إلا أنها واجهت في ذلك صعوبة بالغة نظراً إلى وعورة المناطق التي التهمتها النيران، وضعف تجهيزات فرق الإطفاء، وغياب المروحيات والطائرات التي تساعد في عمليات الإطفاء.
عضو المكتب التنفيذي في قطاع الزراعة في محافظة حماة، رفيق عاقل، أوضح، في حديث إلى "الأخبار"، أن "ثلاث حرائق نشبت في المناطق الحرجية في عين الكروم وقرية الفريكة والشيخ زيتون في مصياف، أتت على مساحات شاسعة تراوح بين 5000 و 6000 دونم"، لافتاً إلى أن "أربعين عاماً هي المدّة التي تحتاج إليها المنطقة المحروقة لإعادتها ضمن الاستصلاح الزراعي، وهي مدة ليست قصيرة". ولا يستبعد عاقل أن يكون الحريق ناجماً عن عمل إجرامي، إذ يقول: "لكلّ حريق سبب؛ ففي عين الكروم في منطقة الغاب تمّ بفعل فاعل، حيث تمّ إلقاء القبض على 3 مشتبه فيهم (...) أما جبال مصياف فانطلقت فيها النيران من أراضي أملاك خاصة قد تكون إثر فقدان أحد المواطنين السيطرة عليها، ما أدّى إلى توسعها، بينما قرية الفريكة امتدّت إليها النيران من صلنفة، علماً بأنه يصعب وصول قوات الإطفاء إليها بسبب وعورة الطرقات والانحدارات الشديدة". أما بالنسبة إلى الخسائر، فينفي عاقل وقوع ضحايا بشرية أو أضرار في المباني السكنية لغاية الآن، واقتصر الأمر على إخلاء بعض الأهالي القريبين من الحرائق منازلهم لعدّة ساعات ريثما تتمّ السيطرة عليها. ويميل بعض أهالي مصياف إلى تصديق الرواية الرسمية عن أن الحرائق مفتعلة، وأن الحرارة المرتفعة أو الخطأ البشري يمكن أن يتسبّبا فيها، خصوصاً أن المناطق التي اندلعت فيها الحرائق بعيدة عن أماكن وجود السكان، وأيضاً عن الأراضي الزراعية.
لا تزال ألسنة اللهب تلتهم مساحات كبيرة من الأراضي الحرجية والزراعية


لم يتمكن المزارع معن محمد من الوصول إلى أرضه الواقعة في بيرة الجرد في مصياف، وإنقاذ جنى عمره. يروي معن، لـ"الأخبار"، ما جرى معه، قائلاً: "ألسنة اللهب أكلت الأخضر واليابس، احترق قلبي على الزيتونات، منظر بيحرق القلب، ما بعرف كيف هيك فجأة الصبح فقنا لقينا كل شي عم يشعل بالجبال". مزارع آخر في ريف حمص يشارك معن ألمه، ويقول: "احترق قلبي، الحريق نهش حوالى 150 دونماً من الزيتون، بعد أن التهمت النيران الأحراج المتاخمة لحقلي، وتَأخّر إطفاؤها بالنظر إلى أن وصول فرق الإطفاء يستغرق وقتاً زمنياً لطول المسافة بين مدينة حمص وريفها". أما جسام، أحد أبناء حمص، فيعلّق بأن "هذه الحرائق قضت على غابات بأكملها عمرها يفوق عشرات السنين، من يُعوّضنا؟ في كلّ عام تتكرّر هذه الحرائق، فلماذا لا تتوخى الحكومة الحذر مسبقاً وتتخذ الإجراءات الوقائية تفادياً لهذه الخسائر".

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا