ليست هذه أزمة المحروقات الأولى في سوريا، ولكنها الأشد. حتى إن مصادر وصفت ما يحصل الآن بأنه «جاء معادلاً لأضعاف الأزمات السابقة، إذ إن أرتال السيارات باتت اليوم تمتد على طول كيلومترات عديدة، وعلى معظم المحطات، ليصل أحياناً زمن انتظار التعبئة بالدور نحو 24 ساعة، وفي محطات أخرى 48 ساعة»، إذ بات الناس يلجؤون إلى خيار مبيت السيارة، أي تركها في العاشرة ليلاً، ثم العودة إليها في الخامسة صباحاً، لاستئناف حركة التقدم بها، نحو المحطة!في بحثها عن أسباب الأزمة الحالية، حاولت «الأخبار» التواصل مع وزير النفط، لكن من دون نتيجة، ليتضح أن ثمة ما يبدو أنه قرارٌ بعدم التعاطي مع الإعلام في الأيام الحالية، في ما يتعلق بملف المحروقات. لكن مصادر تحدثت إلى «الأخبار» أكدت أن «المشكلة الحالية ليس حلها ضمن المستطاع والسريع». وأوضحت أن الأزمة «مركبة من شقين؛ خارجي وداخلي»، لكن في كلتا الحالتين، فإن الغموض سيد الموقف، ولم يصدر عن المسؤولين الرسميين ما يجيب عن أسئلة المواطنين المنتظرين في طوابير أمام محطات الوقود.

رواية ما قبل الأزمة
كانت مصادر في وزارة النفط، ومنها «مؤسسة محروقات دمشق»، تحدثت عن أن نقص البنزين، وتحديداً غير المدعوم (أوكتان 95 – يباع بسعر 575 ليرة سورية لليتر)، كان بسبب عمليات صيانة وإصلاح تنفذها المصافي سنوياً، ومنها مصفاة بانياس. لكن مصادر «الأخبار» أكدت أن «مصفاة بانياس لم تدخل في مرحلة الصيانة بعد، لكن ستدخلها في الـ 15 من الشهر الحالي، وستستمر لمدة 20 يوماً، لتنتهي في الخامس من تشرين الأوّل/ أكتوبر، والتأخر يعود لأسباب تتعلق بتأمين بعض المعدات والقطع، والبحث عن الخبرات المطلوبة».

سوء إدارة
كانت وزارة النفط، كحل إسعافي، قد خفضت كمية التعبئة المسموح بها للسيارات، لتصبح 30 ليتراً كل أربعة أيام، بعد أن كانت 40 ليتراً كل خمسة أيام، عبر البطاقة الذكية، إلا أن هذا التوجه لم يحقق شيئاً سوى زيادة الازدحام، ما يعني أن المشكلة في التوريدات أساساً، وليس في آلية توزيعها. أحمد، صاحب «كازية» (محطة وقود) على طريق دمشق - اللاذقية الدولي، قال لـ»الأخبار» إن «الأزمة بدأت منذ أقل من شهر، ولكن كانت غير ملموسة بشكل مباشر، وكان ممكن التعامل معها»، وأضاف: «كانت كمية الطلب تتناقص ليلاً مع قرب نفاد المادة من المحطة، ثم نغلق وننتظر التوريدات الجديدة في اليوم التالي، لكن بدأنا نستشعر المشكلة عندما شمل النقص كل محطات المحافظات».
استخدمت السلطات كمّاً من مخزونها الاحتياطي في تلبية طلبات المحطات، وحاولت التقنين لامتصاص الضغط، إلا أن محاولات تحديد التوريد جاءت بنتائج عكسية أسفرت عن ازدياد شديد في الطلب، ما خلق حالة الطوابير على كل محطات البلد. مصدر اقتصادي أشار لـ»الأخبار» إلى أنه «كان من الأفضل زيادة مخصصات التعبئة وزيادة التباعد الزمني، لإراحة المحطات، ولكن ما حصل هو العكس، وهذا ما خلق المشكلة والاختناق». تجدر الإشارة إلى أن رزوح البلاد تحت سيف عقوبات «قانون قيصر» الذي يحظر عليها الاستيراد، جعل مهمة تأمين المشتقات النفطية أكثر صعوبة، ولا سيما أن سوريا كانت تحتاج إلى استيراد نسب ليست بالقليلة لتغطية حاجاتها، إلا أن «قيصر» غيّر المعادلة وقلب الأمور. على سبيل المثال، فإن سوريا تحتاج ما يعادل 140 ألف برميل نفط يومياً، في حين تنتج أقل من ربع الكمية داخلياً.

السوق السوداء
يتحدث علاء، سائق سيارة أجرة، إلى «الأخبار»، فيقول: «رح يصرلي 18 ساعة ناطر ع دوري بالكازية، يعني صرت قريب، لازم إذا ضل ماشي الدور عبّي خلال ساعتين»، ويكمل: «وبس تعبي بتروح ع بيتك لأنك بتجي تنزل إلى الشغل بدك ترفع الأجرة، وما بقى حدا يرضى يطلع معك، بقى ما بالك عبي من السوق السوداء وقتا بيصير سعر طلب الزبون معي 5 أضعاف!». وبالفعل، فإن شوارع البلاد تشهد انخفاضاً حاداً في عدد السيارات العمومية العاملة على وجه الخصوص، وانخفاضاً بلغ النصف تقريباً بالنسبة إلى السيارات الخاصة.
لكن اللافت أن المادة متوفرة في السوق السوداء، حيث بات يبلغ سعر الليتر بين 1000 و 1500 ليرة سورية، في حين أن سعره المدعوم كان 225 ليرة سورية! يدفع هذا الناس إلى التساؤل عن مصادر هذا البنزين الذي يباع على الطرقات العامة، فأكثر ما تشاهده على مداخل حمص بوصفها مدينة وسطى وعقدة وصل بين الشمال والساحل والعاصمة، هو باعة غالونات البنزين بسعر السوق السوداء، وذلك تحت مرأى من محافظ المدينة ومسؤوليها الذين لم يتخذوا أي إجراء لقمع هذه الظاهرة. وفي هذا السياق، تحدثت مصادر مطلعة على الملف إلى «الأخبار» عن أن «المادة تصل إلى هؤلاء عبر أصحاب المحطات أنفسهم، الذين يتلاعبون بعداد التعبئة، فبدلاً من تعبئة كامل المخصصات للسيارة، يتم اقتطاع جزء يسير من كل سيارة، وفي نهاية اليوم تكون قد توفرت كمية كبيرة في المحطة، التي تقوم ببيعها لتجار السوق السوداء، وكذلك فقد ذهب بعض أصحاب السيارات لتعبئة سياراتهم بعد الانتظار، ثم سحب البنزين من داخلها لبيعه في السوق السوداء بهدف جني الربح». كل ذلك يجري من دون أن تتخذ الجهات المسؤولة أي إجراءات حقيقية.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا