«مشوّش ذهنياً، ربّما يكون صاحب مشاكل، لا أريد اتّهامه، الموضوع قد يخلق حساسيات عائلية، نحن الآن مفجوعون، لا وقت ولا قدرة لدينا على التفكير (...) قتل بناته، وأعتقد أنه أجهز على زوجته، لكنّها لم تفارق الحياة، وهي في المستشفى الآن، ولم تعلم بعد بموت كلّ أفراد عائلتها». هذا ما يحدّث به قريب الزوجة الراقدة في العناية المشدّدة، في تصريح إلى «الأخبار». بات جليّاً أن الزوج خطّط لإنهاء حياة أسرته بأكملها قبل أن يُقدِم على الانتحار. تؤكّد هذا السيناريو روايةُ وزارة الداخلية السورية التي حسمت، في أقلّ من 24 ساعة من التحقيق، أن الأب هو القاتل. وقال مصدر مطّلع على مسار التحقيق الجنائي لـ«الأخبار» إن «كلّ المعطيات والدلائل، حتى الآن، تشير إلى أن الأب مطاع سلامة (حماه - 1966) هو الفاعل»، إلا أنه لم يستبعد تعرّض الجاني لما سمّاه «ضغوطاً وتهديدات خارجية»، كان هو نفسه تحدّث عنها عبر حسابه على موقع «فايسبوك»، قبيل ارتكابه الجريمة، ما يفتح القضية على احتمالات واسعة بشأن الأسباب والدوافع.
بحثاً عن القاتل
وعلمت «الأخبار»، من مصادر مطلعة، أن السلطات الأمنية المعنيّة متمسّكة بفرضية «عدم وجود طرف خارجي في مكان تنفيذ الجريمة (منزل سلامة - المشروع السادس)»، ما يبدو احتمالاً راجحاً، في ظلّ المعطيات المتوفرة لدى الجهاز الذي يتولّى التحقيق، سواءً شهادات الشهود، أو حتى منشور الأب على «فايسبوك»، والذي يقول فيه: «الأصدقاء الكرام: حين تقرؤون رسالتي هذه أكون قد انتحرت وقتلت بناتي!». يتحدّث سلامة عن تفاصيل تتعلّق بتهديدات كان تلقّاها بقتل بناته وحرقهن، نتيجة تورّطه في عمل لم يذكر طبيعته، لكنه ذكر أنه تأخر عن موعد إنجازه بثلاث ساعات. ولم يُغفل سلامة ذكر أسماء مهدّديه. كما تحدّث في منشوره عن أن أخاه «متورّط مع صديقه بعملية سرقة سلاح وذخيرة خلال تطوعهما في الفيلق الخامس (فيلق في الجيش السوري)، قبل سنوات، ومن ثمّ قيام المذكورَين ببيعها إلى المسلحين في محاور القتال شمال حماه».
هناك رواية تقول إن الأب وعائلته تعرّضوا للقتل على يد طرف ثالث


بُعيد الجريمة، سارعت شرطة طرطوس إلى إلقاء القبض الاحترازي على مَن وردت أسماؤهم في منشور سلامة، وعرضت صورهم مكبّلين داخل مركز الشرطة لإخضاعهم للتحقيق. «الأخبار» تواصلت، بدورها، مع النائب العام في طرطوس، القاضي محمد علي سليمان، الذي تحدّث عن المعطيات المتوفّرة لديه، قائلاً: «ثبت لدينا، حتى الآن، أن الزوج أشهر سلاحاً حربياً، من نوع بندقية آلية، بوضع الرمي السريع، وقام بتوجيه السلاح إلى ابنته وأمّها، قبل أن يقتل ابنتيه الاثنتين بالطريقة ذاتها». وفي التفاصيل، أطلق الأب، بدايةً، النار على ابنته وزوجته، فسقطت الفتاة على مقربة من أمها، التي تلقّت رصاصات هي الأخرى، فاعتقد الأب بوفاتهما، ليكمل على ابنتيه بعدهما. ويكمل النائب العام: «لم تكن إصابة الأم قاتلة، وتمّ إسعافها، وأجرينا استماعاً أوليّاً إلى إفادتها، فأكّدت لنا ما توصّلنا إليه، وأضافت أن زوجها كان متوتّراً جداً في ذلك الوقت، ويغلق هاتفه باستمرار في وجه مكالمات يتلقّاها».
لكن، ثمّة رواية أخرى تناقلتها وسائل إعلام عن مصادر وصفتها بـ«المطّلعة» على التحقيق، قالت فيها إن «الأب وعائلته تعرّضوا للقتل على يد طرف خارجي، والإثبات هو تلقّي الأب رصاصات في الظهر». لكن النائب العام يرفض، في حديثه إلى «الأخبار»، هذه الرواية، ويؤكّد أن «الطبيب الشرعي أكّد وجود طلقات في مناطق عدة من صدر الأب، خمس طلقات تحديداً، وكلها نافذة إلى الخلف، وهذا لا يعني تلقّيها من الخلف، إنما هو انتحر بوضع البندقية على صدره».

فرضيات «مؤامرة»
اختفاء منشور الأب عن «فايسبوك»، بُعيد وقوع الجريمة بساعات قليلة، أثار بدوره عاصفةً من التساؤلات عن الجهة التي تقف خلف حذفه، على رغم أن فرضية حذف الموقع الأزرق لمنشور «جرمي» تبقى راجحة. في هذا الإطار، ينفي النائب العام وجود أيّ معلومات لديه عن الجهة التي أزالت المنشور. ودفع ذلك بعض المتابعين إلى الحديث عن فرضيات أخرى، ومنها أن الرجل الذي قَتل عائلته لم يكتب المنشور من أساسه، بل إن شخصاً آخر فعل، في مسعى منه إلى «تضليل التحقيق». وإلى أن تُحسم ملابسات القضية، يبقى أن الجريمة مركّبة ومعقّدة، لم تعتَد البلاد على مثيلاتها، حيث يكون القاتل هو المقتول، وهو وليّ دم المقتولين الآخرين.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا