في تصعيد هو الأعنف منذ سريان وقف إطلاق النار في إدلب قبل نحو ثمانية أشهر، قُتل، أمس، 78 مقاتلاً على الأقلّ من فصيل مسلّح موالٍ لأنقرة، من جرّاء غارات عنيفة شنّتها روسيا على معسكر تدريب في شمال غرب سوريا. واستهدفت الطائرات الروسية المعسكر التابع لـ»فيلق الشام» في منطقة جبل الدويلة شمال غرب إدلب، فيما كان عناصر «الفيلق»، التابع لـ«الجبهة الوطنية للتحرير»، يخضعون لدورة تدريبية هناك، ما تسبّب في مقتل العشرات منهم، وإصابة أكثر من تسعين آخرين بجروح، فيما لا يزال آخرون عالقين تحت الأنقاض. وتكاد تكون هذه الغارات هي الأعنف والأكثر حصداً للأرواح، منذ الدخول الروسي على خطّ المعارك في سوريا عام 2015. ونشرت وسائل إعلام روسية، في مقدّمها وكالة “ANAA”، صوراً جوّية لتجمّع المقاتلين في المعسكر ومن ثمّ استهدافهم. وقالت الوكالة إن «طائرتين روسيتَين أسقطتا نصف طنّ من المتفجّرات» على التجمّع. وأضافت الوكالة أن «المعلومات الاستخبارية عن هذا المعسكر نقلها عناصر من تنظيم حراس الدين غير المتوافق مع تحرير الشام”.وفي أول تعليق رسمي من فصائل المعارضة السورية، اعتبر الناطق الرسمي باسم “الجبهة الوطنية للتحرير”، النقيب ناجي مصطفى، عبر تطبيق “تيليغرام”، أن الغارة التي نفذتها الطائرات الروسية «تُعدُّ خرقاً واضحاً ومستمراً لقوات الاحتلال الروسي لاتفاق التهدئة الموقّع برعاية تركيا»، لافتاً إلى أن «الجبهة الوطنية للتحرير بدأت بالردّ عبر استهداف مواقع النظام السوري وروسيا في مواقع عدّة بالراجمات والصواريخ». ويعدّ هذا الاستهداف هو الثاني الذي يوقع عدداً كبيراً من القتلى والجرحى في صفوف «الفيلق»، منذ التدخل الروسي في سوريا؛ إذ قُتل في 23 أيلول/ سبتمبر 2017 أكثر من 80 عنصراً من هذا الفصيل وجرح آخرون، في ضربة جوية روسية استهدفت أحد معسكراته في تل مرديخ جنوبي سراقب. ويشكّل «فيلق الشام» مكوّناً رئيساً في «الجبهة الوطنية للتحرير»، التي هي تجمّع للفصائل المعارضة والمقاتلة في إدلب. واندمجت الجبهة قبل عام مع فصائل «درع الفرات» الناشطة في شمال البلاد وشمال شرقها تحت مظلّة «الجيش الوطني» الذي تدعمه تركيا. وتوعّدت فصائل إدلب، أمس، بـ»الثأر» لدماء مقاتلي «فيلق الشام»، ودعا عدد من قياديّي هذه الفصائل، أبرزهم الشرعي في «هيئة تحرير الشام» الشيخ عبد الله المحيسني، الفصائل كافة إلى العمل معاً للانتقام من «العدو الروسي». وفي تسجيل صوتي تداولته تنسيقيات المسلحين للمحيسني، حضّ الأخير على «التوحّد ولمّ الصفوف»، منبّهاً الى أن الروس يرون في كلّ المقاتلين في إدلب «إرهابيين يجب قتلهم».
ويثير التصعيد الروسي في إدلب تساؤلات عن توقيت الرسالة ومضمونها، خصوصاً أن «فيلق الشام» يعدّ فصيل أنقرة «المفضل»، وسبق أن أرسل مقاتلين بشكل منظّم إلى ليبيا، بينما تَوجّه مقاتلون منه إلى ناغورنو قره باغ. ويعتقد مراقبون أن روسيا، من خلال هذه الغارة، «تبعث برسالة إلى تركيا مفادها أن هناك عواقب تترتّب على استخدامها الواسع لمقاتلي الفصائل السورية في النزاعات التي توجد فيها روسيا وتركيا على طرفي نقيض». ويضيف هؤلاء أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يقول، من خلال التصعيد الأخير، إن «لديه القدرة على ضرب الفصائل السورية المفضّلة لدى (نظيره التركي رجب طيب) إردوغان عندما يرغب داخل سوريا، ما لم تخفّض تركيا أنشطتها العسكرية ضدّ المصالح الروسية في النزاعات في ليبيا وسوريا وناغورنو قره باغ». ولم يصدر، حتى ليل أمس، أيّ تعليق تركي رسمي على الحدث، فيما يُتوقّع أن يكون لأنقرة موقف حادّ ترفض فيه التصعيد الروسي العنيف في إدلب.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا