تشقّ عجلات الشاحنات والحافلات والسيارات وجه الطريق من دمشق إلى دير الزور، الشريان الحيوي الذي يغذّي المدينة الفراتية، ويُعدّ مفتاح الشرق السوري. تخرج الحافلات إلى الدير برحلتين، صباحية ومسائية؛ الأولى تنطلق عند السابعة صباحاً، والثانية عند التاسعة مساءً، وهي التي اخترناها للتوجّه إلى الدير.
رافقت «الأخبار» مجموعة من قوات «الدفاع الوطني» في مهمّة موكلة إليهم (الأخبار)

«الطريق آمن»!
تتوقّف الحافلة حاملة ما يزيد على ثلاثين مسافراً، للاستراحة في حمص لثماني ساعات، قبل استئناف رحلتها نحو الدير عند السادسة والنصف صباحاً، من منطقة الفرقلس، حيث يُسمح لجميع وسائط النقل بالذهاب والإياب نحو الداخل. أبو محمد، أحد الركّاب، لا يأبه بهجمات «داعش» على الطريق، وها هو يعود إلى مدينته بعدما قصد دمشق منذ أيام لمراجعة طبيبه الخاص. يعتبر الرجل الستيني أنّ «طريق الدير خارج التنازلات السياسية»، ويؤكّد أنّ ثقته بـ«رجال الجيش» أقوى من مخاوف انقطاع الطريق.
«الطريق آمن»، هذا ما كرّره كلّ من التقيناهم، خلال الرحلة على الطريق الدولي. لم تتوقّف حركة السفر عبر هذا الشريان، رغم الكمائن الثلاثة التي تعرّضت لها حافلات وشاحنات، خلال شهري كانون الأول/ ديسمبر، وكانون الثاني/ يناير، من قبل عناصر يتبعون لتنظيم «داعش» في البادية السورية. كانت تلك الهجمات التي تربّصت بالعسكريين السوريين، الأقسى منذ تحرير الطريق الدولي، إذ أسفرت عن عدد من الشهداء والجرحى؛ وهو ما استدعى عملية عسكرية واسعة لتمشيط المنطقة الممتدّة بين محوري الشولا ـــــ والمالحة على جانبي الطريق الدولي.
«الطريق آمن»، هذا ما كرّره كلُ من التقيناهم خلال الرحلة على الطريق الدوليّ


«موليّة»... ونقاط تفتيش
يُداري سائق الحافلة ساعات القيادة الطويلة، بالاستماع إلى «الموليّة» الديرية وقائمة أغانٍ اختارها بعناية لتلائم ذوقه، وهو يتحدّث عن أزمة الوقود التي تعاني منها البلاد. نسأله عن الوقت المتبقّي للوصول بعد اجتياز منطقة «تيفور»، فيجيب ضاحكاً أنّ «من الممنوعات أن تسأل أيّ سائق عن المدّة المتبقية للوصول». يتوقّف ليغني من «الموليّة»: «گلبي على أبو الزلف وعيني يا مولية... ويمّ العباية الحبرو حلوة يا ديريّة»، ثم يستأنف حديثه ليترك الوقت «لتيسير الله»، ويرتشف من كأس القهوة الكرتونية التي اشتراها من مدينة تدمر.
تتوقف الحافلة عند نقطة تفتيش عسكرية في منطقة الشولا، بناءً على طلبنا. يومئ عمر، العسكري في الجيش، بيده اليمنى لسيارة آتية في اتجاه الحاجز، ويبادر ركابها السلام: «الحمد لله على السلامة... منين جايين؟»، ثم يطلب الإذن منهم للتدقيق في بطاقاتهم المدنية. يقول عمر لـ«الأخبار»: «كنت شاهداً على الكمائن الأخيرة، أغلقنا الطريق لبضع ساعات حرصاً على سلامة المدنيين ريثما قمنا بتمشيط المنطقة». ويضيف الشاب العشريني أنّ «أمن وسلامة طريق الدير مسؤوليتنا التي لن نتهاون فيها مطلقاً». على بعد أمتار عديدة، يجلس عبد الله، العسكري الثلاثيني، داخل الخيمة بعد انتهاء مناوبته. هو فقد إحدى قدميه خلال مشاركته في معركة المقابر قبل تحرير دير الزور، لكنّه لم يترك رفاقه رغم إصابته. يقول لـ"الأخبار"، إنّ «الدّير تستحقّ التضحية، وكوني ابنها... لا شيء سيوقفني عن حمايتها».

(الأخبار)

العين على التنف
من تلك النقطة العسكرية، رافقت «الأخبار» مجموعة من قوات «الدفاع الوطني» في مهمّة موكلة إليهم لتمشيط محور الشولا. يشرح قائد «الدفاع الوطني» في دير الزور، فراس الجهام، في حديث إلى «الأخبار»، على خريطة مثبّتة بتطبيق خاص على هاتفه المحمول، الوضع الميداني، مشيراً إلى نقطتين ملوّنتين بالأحمر: «من هنا سنبدأ مهمّتنا، سنمشّط نحو 400 كيلومتر مربع». يقول الجهام لـ«الأخبار»: «طريق دير الزور لا يمكن قطعه، وهو خطّ أحمر لا يمكن المساومة عليه... قاتلنا وانتصرنا على إرهابيي داعش، حتى في أحلك أيام الحصار». وعن الكمائن الأخيرة على الطريق، يوضح أنّ «الغدر وليس المواجهة، هو ما يتّبعه داعش، سعياً لإحداث الفوضى، وهذا ما جرى خلال الكمائن الأخيرة التي تعرّضت لحافلات المبيت»، مضيفاً أنّ «التنظيم يحاول إعادة إحياء نشاطه في البادية مستفيداً من الدعم الاستخباري المقدّم من قبل الضباط الأميركيين في قاعدة التنف، التي تشكّل الحاضنة الأم للتنظيم، والتي تزوّد عناصره بأحدث الأسلحة والتجهيزات». ويشير الجهام إلى أنّ «التنظيم لم يغيّر سياسته التي تعتمد مبدأ الإلهاء على جبهات عديدة وفي آن واحد... إذ ليس استهداف مبيت عسكري على طريق الدير ثم استهداف مبيت عسكري وحافلة للمدنيين على طريق إثريا، صدفة. حفظنا خططهم وتكتيكاتهم عن ظهر قلب». وكذلك، تفيد معلومات الجهام بأنّ الأميركيين "نقلوا عدداً من عناصر داعش الموجودين في سجن الصناعة في الحسكة إلى قاعدة التنف عبر المروحيات، قبل تنفيذ الكمائن بعدة أيام».

(الأخبار)


(الأخبار)


(الأخبار)


(الأخبار)


(الأخبار)