«فوري، ملون، خدلك صورة على السريع» كلماتٌ اعتاد أبو فراس من خلالها استقطاب زبائنه. أربعة عقود مضت، وأخذت معها مهنة الرجل وآلة التصوير القديمة خاصته التي كان يحملها بين يديه بحذر، موثّقاً حياة أهل الشام اليومية ومعالم المدينة التي سكنها وعائلته.
تحت جسر فكتوريا على كرسي حديدي متهالك، يجلس الرجل السبعيني بديع زهران، أمام طاولة وضع عليها جوارب للبيع بأنواع وألوان متعدّدة. هذا حاله بعدما اعتزل المهنة التي يُحبّ.

يحكي الرجل عن عمله بالتصوير قبل تحوّله منذ عدة سنوات بائعاً للجوارب: «انتهت مهنتي بالتصوير مع انتهاء دور آلات التصوير القديمة التي كانت تعتمد على الأفلام وانتهى معها عمر قضيته بالتصوير». يتابع أبو فراس: «ما قدرت اترك ذكرياتي بمنطقة جسر فكتوريا وقررت افتح بسطة الجوارب فيها لأن عندي مسؤولية وعائلة ولازم اشتغل حتى عيش وعيشهن».

لم يدخل أقدم مصوري دمشق إلى جامعات واستديوات مختصة بتعليم التصوير، وإنما تبادل المعلومات مع أخيه الذي كان هو الآخر مصوراً؛ يقول زهران: «علّمت نفسي بنفسي، لأن عندي حباً وشغفاً لمهنة التصوير. عاصرت معظم كاميرات التصوير القديمة واشتغلت فيها من الأبيض والأسود فالملون حتى الفوري».

يتوقف أبو فراس عن الحديث، مخرجاً من محفظته صورة تآكل جزء بسيط منها، ليقول: «لا شيء يعوّض جودة الصور القديمة. أحتفظ بهذه الصورة منذ ثمانينيات القرن الماضي، تجمعني بأصدقائي». يردف بالقول: «منذ زمن كانت الصور تُقلّب بشوق وضحكات أكثر، وكانت المعاناة مع أشرطة التسجيل فيها بعض من اللذة للمصور، بينما اليوم لا معاناة تذكر، كبسة زر تختصر الحكاية بكاميرات الديجيتال التي لا تعطي الفن الذي كنا نستطيع إظهاره».

نالت سنوات الحرب من أرشيف أبو فراس وفقد جلّ أفلام الصور التي وثّق فيها المدينة الدمشقية إبان نزوحه من منزله في منطقة التضامن، لكنها لم تنل من ذاكرته التي لا تزال تحتفظ بشريط الذكريات بدقة كبيرة تتيح له سرد تفاصيل الأحداث التي وثقها».