في خزانة خشبية موضوعة في مكتبه، يحتفظ وزير الزراعة السوري المهندس حسان قطنا، بأربع عُلب كرتونية تحتوي على مئات الوثائق المُنجَزة حديثاً، والمكوّنة من آلاف الصفحات. يجزم قطنا، الذي تمّ استدعاؤه منذ عام ونيّف لتسلّم حقيبة الزراعة على رغم إحالته على التقاعد، أن هذه الوثائق كافية لتجعل أيَّ وزير قادم على دراية كاملة بتفاصيل القطاع، حتى لو كان لا يعرف شيئاً عنها؛ إذ إن تلك الصفحات تفنّد، في متن استنتاجاتها، تسعة مخاطر أساسية تواجه مستقبل الزراعة السورية أبرزها: التغيّرات المناخية وحالة الجفاف، الحرائق والكوارث الطبيعية والتعدّي على الموارد الطبيعية والأراضي الزراعية، ضعف الاستثمار الزراعي، ضعف الاستقرار الاقتصادي وتقلّبات سعر الصرف وارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي، والعجز في الموارد المائية وضعف القدرة على تنمية مصادرها.
التحضير لـ«ثورة» جديدة
تُمثّل هذه الوثائق حصيلة حوارات ونقاشات واسعة امتدّت لعدّة أشهر، وعلى مستويات مختلفة، بهدف تقييم واقع القطاع الزراعي طيلة العقود السابقة، واقتراح سياسات بديلة وبرامج تنفيذية تضمن توفير بيئة تمكينيّة لكي يعمل هذا القطاع بكفاءة ومرونة عاليتَين، خاصّة وأن البلاد سوف تُعاني خلال الفترة الممتدّة من عام 2025 إلى عام 2030، من نقص في المنتجات الغذائية الزراعية، ومن عدم قدرة الموارد الطبيعية، الأرضية منها والمائية، على تلبية حاجة السكّان من الغذاء. وبحسب تقديرات قطنا في حديثه إلى «الأخبار»، فإن «العجز المتوقّع لن يقلّ عن 3 ملايين طنّ من المنتجات الزراعية النباتية والحيوانية، ممّا يقتضي القيام بمجموعة من الإجراءات الخاصة بزيادة الإنتاج والإنتاجية، وتطوير التقنيات الزراعية، والاتجاه إلى التنمية الريفيّة والمجتمعية».
وكانت بدأت تلك الورشة بجولات ميدانية على جميع المحافظات، تخلّلتها لقاءات مباشرة مع الفلّاحين والمزارعين وجميع الجهات والفعاليات المرتبطة بالقطاع، وانتهت أخيراً بقيام أكثر من 200 باحث وخبير بجمع خلاصات النقاشات وأوراق العمل المقدَّمة خلال الورشة المذكورة، ليجري إصدار تقرير حول الرؤية المستقبلية لقطاع الزراعة للفترة الممتدّة من عام 2021 ولغاية عام 2030، والدّاعية إلى اعتماد حوالى 17 سياسة بديلة عبر أكثر من 96 برنامجاً تنفيذياً. كما تمّ إصدار خمسة تقارير فنّية في المجالات: النباتية، الحيوانية، الموارد الطبيعية والمائية، التنمية الريفية، والتسويق. لكن كلّ ذلك يبقى، في نظر شريحة من السوريّين، مجرّد تنظير ما لم يجد طريقه إلى التنفيذ من ناحية، وما لم تتطابق النتائج مع الأهداف من ناحية أخرى.
أولى الخطوات التنفيذية لخلاصة الحوارات تمثّلت في اعتماد وزارة الزراعة خمسة مشاريع رئيسة


وفي هذا الإطار، يُشير قطنا إلى نقطتَين هامّتَين: الأولى تتمثّل في «تحدّي توفّر الاستثمارات اللازمة لتنفيذ البرامج المقرَّرة لتمكين القطاع من الصمود وتلبية الاحتياجات المحلية وتوفير الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي». أمّا النقطة الثانية، فهي تتعلّق بـ«تعديل تعريف المحاصيل الاستراتيجية، التي تُدعَم من قِبَل الحكومة عبر توفير مستلزماتها وتسويق إنتاجها، وفكرة التعديل تقوم على تحديد كلّ محافظة لأهمّ ثلاثة منتجات زراعية يمكن أن تشكّل نواة تنموية في مناطق المحافظة، وبناءً على ذلك تُخصّص تلك المحاصيل بدعم حكومي، وتكون بمنزلة المحاصيل الاستراتيجية المكانية الخاصة بكلّ محافظة». ولذا، تتّجه وزارة الزراعة إلى تشكيل مجموعات عمل، تكون مهمّتها تحديد المشاريع التنموية أو المحاصيل الاستراتيجية لكلّ محافظة، واقتراح أهمّ 10 مشروعات يجب أن تُنفّذ للنهوض بالقطاع الزراعي فيها.

خمسة مشاريع رئيسة
أولى الخطوات التنفيذية لخلاصة الحوارات، التي يُعتقد أن أكثر من 10 آلاف شخص شارك في مراحلها المتعدّدة، تمثّلت في اعتماد وزارة الزراعة خمسة مشاريع رئيسة تنموية وخدمية تشكّل حوالى 70% من البرامج المقترَحة، سيتمّ عرضها على المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي لإدراجها ضمن موازنة العام القادم. وبحسب الجدوى الاقتصادية لتلك المشاريع، فإن التكلفة الاستثمارية للمشروع المتعلّق بالإنتاج الحيواني تصل إلى 49 مليار ليرة، ولمشروع الأراضي والمياه 4 مليارات ليرة، ومشروع التنمية الريفية 6 مليارات ليرة، ومشروع التغييرات المناخية 4 مليارات ليرة. وإضافة إلى ما تَقدّم، ثمّة حوالى 20 مشروعاً استثمارياً سيُعرَض على القطاع الخاص بناءً على قانون الاستثمار الجديد، من بينها 13مشروعاً ستطرحها وزارة الزراعة، و7 مشروعات تتعلّق باختصاصات وزارات أخرى.
وفي مقابل هذا المسار الذي تختطّه وزارة الزراعة، ثمّة شكوك عديدة حيال إمكانية نجاح جهودها، ذلك بالنظر إلى تأثير التحدّيات والمشاكل التي لا سلطة للوزارة على معالجتها، من قبيل مصير مستقبل الدعم الزراعي، الذي شهد خلال الأيام الماضية تحوّلاً جديداً مع تحرير الحكومة لأسعار الأسمدة، وهو ما قد تعقبه إجراءات أخرى لناحية تغيير آليات الدعم أو رفعه، فضلاً عن المشاكل التي أفرزتها الحرب والسياسات الاقتصادية الحكومية.