الحسكة | تعكس تحرّكات الولايات المتحدة العسكرية والسياسية المتزامنة، سباقاً محموماً على تثبيت نفوذها في الشرق السوري، في ظلّ مساعي تركيا المتواصلة إلى خلط الأوراق، عبر التهديد بتنفيذ عملية عسكرية تستهدف مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» الممتدَّة من منبج إلى تل تمر. وفي موازاة التسريبات الكردية عن تأجيل أنقرة عمليتها العسكرية، لعدم تمكُّنها من استحصال دعمٍ أميركي أو روسي للمضيّ قُدُماً في خطوتها هذه، يبرز نشاط دبلوماسي - عسكري روسي وأميركي في المنطقة، يسعى البلدان من ورائه إلى تنفيذ أجندتهما المختلفة. وهو ما يتّضح من خلال مواصلة روسيا توسيع حضورها العسكري في الشرق السوري، وسط معلومات تفيد بأن ضبّاطاً روساً أنهوا للتوّ نصب صواريخ «إس-300» داخل مطار الطبقة العسكري الخاضع لسيطرة «قسد»، فيما تخطِّط موسكو لإنشاء نقاط مراقبة في ريفَي دير الزور الشرقي والغربي.في المقابل، ارتفعت وتيرة التعزيزات العسكرية الأميركية الواصلة إلى مناطق سيطرة «قسد»، في ظلّ إعادة نشاط الدوريات في تل تمر، والتي تستضيف أساساً قاعدة روسية تقع في مقرّ محطّة الأبقار في البلدة الاستراتيجية على الطريق الدولي «M4». تطورات ترافقت مع وصول وفد أميركي برئاسة نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، إيثان غولدريتش، إلى محافظة الحسكة، ولقائه، أوّل من أمس، مسؤولين من «قسد» و»مجلس سوريا الديمقراطية»، بعد إعلان هذا الأخير تلقّيه دعوةً لزيارة موسكو. ووفق بيان صادر عن «قسد»، بحث الوفد «ملفّ خفْض التصعيد ووقف إطلاق النار، في المنطقة وفي سوريا بشكل عام، ومواصلة الجهود لإلحاق الهزيمة بتنظيم داعش»، كما «تمّ التباحث حول الصعوبات الأمنية والاقتصادية التي تعاني منها مناطق شمال سوريا وشرقها، وسُبل زيادة تقديم الدعم لتجاوز آثار الحرب وتحسين البنى التحتية والتنمية الاقتصادية بما يضمن الحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها». وثمة ترجيحات تحكي عن أن «مجلس سوريا» أجّل زيارته إلى موسكو، بهدف التحضير لاستقبال وفد الخارجية الأميركية، والبحث في ترتيبات تتعلّق بـالحصول على تطمينات بمنْع الهجوم المتوقَّع لتركيا. وتؤكد مصادر «مسد»، لـ»الأخبار»، أن تأجيل الزيارة التي كانت مقرَّرة منتصف الأسبوع الماضي، «يعود لأسباب تتعلّق بإجراءات السفر»، بعدما رفضت حكومة كردستان العراق منْح تأشيرات دخول للوفد الذي كان من المقرَّر أن يصل الثلاثاء إلى العاصمة الروسية. وتوقّعت المصادر أن «يحصل الوفد على تسهيلات تضمن وصوله قريباً إلى موسكو عبر قاعدة حميميم»، نافيةً «أيّ علاقة بين (إرجاء الزيارة) ووصول الوفد الأميركي إلى المنطقة»، ومؤكدة أن «واشنطن لا تتدخّل باللقاءات التي تجريها مسد والإدارة الذاتية مع موسكو ودمشق».
ارتفعت وتيرة التعزيزات العسكرية الأميركية الواصلة إلى مناطق سيطرة «قسد»


وفي ظلّ غياب توجّه أميركي واضح في سوريا، تحرص «قسد» على ربط نشاط الولايات المتحدة في المنطقة، بتثبيت وقف إطلاق النار، واستمرار خفض التصعيد، في إشارة إلى كبح النوايا الهجومية التركية، فيما تنفي واشنطن أيّ تعاون مع «الإدارة الذاتية» خارج إطار «مكافحة الإرهاب». وجاء النفي الأميركي غير المباشر، على لسان الناطق باسم «البنتاغون، جون كيربي، الذي أكد أن «شراكة الولايات المتحدة مع قسد تقتصر فقط على مكافحة الإرهاب». وردّاً على سؤال حول حديث القائد العام لـ»قسد»، مظلوم عبدي، عن منْح واشنطن ضمانات لفصيله بعدم شنّ تركيا عملية عسكرية جديدة ضدّه، قال إنها المرّة الأولى التي يسمع فيها بهذا الكلام. وكان عبدي صرّح لموقع «المونيتور» بأن «واشنطن أعطت قسد ضمانات بأنها تعارض، ولن تقبل بأيّ هجوم من جانب تركيا». كما بيّن أن «روسيا أبلغتهم بأنها لم تبرم أيّ صفقات مع تركيا»، مؤكداً أن «الجيش الوطني السوري، المدعوم من تركيا، قد يشنّ هجوماً ضدّ قواتنا بدلاً من الجيش التركي».
من جهة أخرى، تواصل الحكومة السورية، بدعم من الجانب الروسي، تنفيذ إجراءات تهدف إلى بناء الثقة مع سكان دير الزور، تمهيداً لدخول حكومي تدريجي إلى مناطق سيطرة «قسد». وبدأت الجهات الأمنية والعسكرية السورية، أمس، تنفيذ تسوية شاملة تطاول المطلوبين الأمنيين، والإجراءات المتعلّقة بخدمة العلم، مع توافد المئات إلى مقرّ الصالة الرياضية في مدينة دير الزور، معظمهم قادمون من مناطق سيطرة «قسد». وتسعى الحكومة السورية إلى نزْع أيّ مخاوف غير مبرّرة للسكان هناك، تتعلّق ببثّ إشاعات عن نيّتها اعتقال أعداد كبيرة من سكان المنطقة الخاضعة لسيطرة «الإدارة الذاتية»، وإثبات عدم مصداقية ذلك، من خلال فتح الباب للمصالحة والتسوية. وفي هذا الإطار، يؤكد أحد شيوخ العشائر في دير الزور، أحمد الموح، في تصريح لـ»الأخبار»، أن «عملية التسوية شهدت في يومها الأوّل إقبالاً كبيراً من سكّان المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا قسد في أرياف دير الزور والحسكة»، لافتاً إلى أن «التسوية تشمل كل مَن لم تتلطّخ يداه بالدماء، بالإضافة إلى العسكريين الفارّين داخلياً وخارجياً، والمتخلّفين عن الخدمة الإلزامية والاحتياطية، مع التعهّد بتأدية خدمتهم ضمن محافظة دير الزور». وتعليقاً على الأنباء عن أن التسوية تمهّد لدخول الدولة السورية في مرحلة لاحقة إلى هذه المناطق، قال الموح إن «الجيش السوري هو القوّة الشرعية الوحيدة، ويحقّ له الدخول إلى كامل الجغرافيا، وهو أمر سيحصل عاجلاً أم آجلاً»، متوقّعاً أن «يحظى بحفاوة وترحيب في حال دخل المنطقة في أيّ وقت».